المحلية

إطلاق النار… والسلطات في سبات – بتول عبدالله

لم يعد اللبناني يميّز بين رصاصة قنص ورصاصة طائشة. أصوات الرصاص باتت «نغمة» يومية في حياة المواطن، يستيقظ على ضجيجها تارةً، ويغفو على نشازات عزفها طوراً.

ظروف ومناسبات مختلفة تولد لدى اللبناني شعوراً لإطلاق النار، فبعض الأفراد يعتبرون ذلك «هواية» أو عملية «تنفيس» عمّا في الداخل من مشاعر وانفعالات، فيما يعتبرها البعض الآخر وسيلة لـ»استعراض العضلات» يعني شوفيني يا منيرة مع إدراك أو من دون إدراك أنّ فعلته انتهاك لحريات الآخرين وتهديد صريح لأرواحهم. فكم من رصاصة «طائشة» استقرّت في رأس هذا أو ذاك من عابري السبيل أو في أسرَّتهم؟ وكم من طلقة نارية في الهواء سالت جراءها دماء الأبرياء؟

شهدت الأيام القليلة الماضية، وبكثافة، إطلاق رصاص حيّ ومفرقعات نارية في المحافظات اللبنانية كافة، والسبب: «صدور نتائج الامتحانات الرسمية للشهادتين المتوسطة والثانوية في لبنان.»

غصّت مواقع التواصل الاجتماعي بسخط الكثيرين من هذه الممارسات غير الحضارية، مثلما غصّت بصور الناجحين. فقد كتب أحد مستخدمي موقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك» على صفحته الخاصة: «شعب ما عندو شغلة وعملة على كلّ شي بيقوّص. إذا نجح وإذا مات وإذا رجع من الحجّ وإذا شيّع شهيد… بيقوّص!» فيما كتب شخص آخر: «أكيد قلة لحظات الفرح ببلد مليان مآسي بتولد هالاحتفالات المجنونة… بس رعبتو العالم… ارحمونا!» وخلال جولة على «تويتر» تجد من غرّد قائلاً: «إلى كلّ من يحتفل بالنجاح عبر إطلاق النار وهدر الرصاص في الجو، أودّ أن أذكره بأنّ المقاومين على الجبهات المختلفة مع العدو، أوْلى بهذه الطلقات لمحاربة المعتدين… هزلت»!

ومع تنامي ظاهرة «إطلاق النار» ابتهاجاً بإطلالة زعيم سياسي هنا أو هناك، طلب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله – شخصياً – من الجمهور عدم إطلاق النار، معتبراً «أنّ كل من يطلق النار في الهواء ابتهاجاً بإطلالة تلفزيونية وكأنه يطلق النار على عمامته وصدره»، لافتاً إلى أنّ ذلك يُلحق الأذية بالآخرين.

وفيما لم يكتف أبناء بلاد الأرز بذلك، تعدّى بعضهم كلّ حدود احترام مراسم التشييع والدفن، واعتمدوا السلاح آلة للاحتفاء بشهداء الوطن. تجدر الإشارة إلى أن عشرات الأبرياء كانوا ضحية رصاص عشؤائي. وأخيراً أصيب شخصان من محلّتي «قصقص» و»الكولا» بتاريخ 10/6/2015، إثر إطلاق النار أثناء مناسبة تشييع في محلّة روضة الشهيدين، وإصابة أحدهما في الرأس، وهو طفل في الخامسة من العمر، وقد فارق الحياة تاركاً الأسى واللوعة في قلوب الأهل.

أمور عديدة تدفع اللبناني إلى استخدام السلاح بشكل عشوائي، لكن هل الألم يبرّر إيلام الآخرين؟ ويقول مراقبون إنّ هذه الظاهرة تستمدّ مبرّراتها من حالة الفوضى الموجودة حالياً كنتيجة لغياب الحضور المؤثر للدولة في بلد مليء بالانقسامات الطائفية والسياسية، والتي لا يحميها ويضمن استمراريتها إلا السلاح الذي بات يشكل أبرز مظاهر مناخ التوتر المذهبي. وهذا ما ثبت الأسس لـ»ثقافة الميليشيا» السائدة في لبنان منذ لحظة ما بعد الطائف. فأضحى السلاح الفردي في أيادي اللبنانيين معياراً لاستعراض القوة و»البلطجة» بما يتناقض مع القيم الأخلاقية لمجتمع يدّعي المدنية ويطالب بها.

الدين والقانون، يحرّمان هذه «العادة». لكن اللبنانيين لا يعون فداحة ما يقترفونه من أعمال مماثلة تودي بحياة الأبرياء. فقد غابت السبل الحضارية في التعبير عن البهجة أو الغضب، وغدا السلاح ديناً يعتنقه من غفل القانون أعمالهم. البلد على كف عفريت، وجرعات «أدوية الأعصاب» ربما نفدت من الصيدليات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق