الحرب بالهواتف الذكية – أمين أبو يحيى

الإعلام أخطر سلاح يمتلكه الإنسان .. بل ربما هو اخطر من القنبلة النووية.
هكذا يمكن توصيف التطورات المتسارعة التي تعيشها المنطقة والتي يلعب فيها الإعلام دورا كبيراً جداً بعدما توسع دوره وصار كل مواطن في كل انحاء الكون صحفي بحد ذاته يرى ويصور ويوثق ويرسل ما يراه من أحداث مباشرة إلى شريحة واسعة من متابعيه، وقد إنقلبت الأية هنا بشكل دراماتيكي. فبعد أن كانت النظرية الإعلامية تقول أن وسائل الإعلام هي التي تنقل الأحداث ليتابعها الناس عبرها، اصبحت النظرية معكوسة حيث تقوم وسائل الإعلام بنقل الأخبار من صفحات التواصل الإجتماعي دون التدقيق بمصداقية هذه الأخبار وصحتها.
هذا الأمر أدخل الإعلام التقليدي ( قنوات تلفزيونية، إذاعات، صحف .. ) والإعلام الجديد ( وسائل تواصل إجتماعي ، إعلام إلكتروني .. ) على حد سواء في نفق البحث عن ارضية المصداقية من جهة وسرعة نقل الخبر من جهة ثانية. هذا الأمر للأسف أتى على حساب المهنية وعدم إحترام عقل المتلقي الذي بات فريسة هذا الضخ الكبير من الأخبار التي غالباً ما يكون معظمها غير صحيح ومتناقل عبر أشخاص لأهداف معينة من بينها إثارة البلبة وإحباط الرأي العام أو رفع معنويات وإلهاء الناس بقضية معينة لحجب قضية أخرى.
بهذا تحولت وسائل الإعلام إلى سلاح قوي بل أقوى سلاح في ايدي الدول والمنظمات لا سيما الإرهابية منها. وقد تابعنا خلال الحرب السورية المستمرة منذ أكثر من 4 سنوات كم مرة سقطت دمشق بإيدي المسلحين، وكم مرة سقطت بغداد بيد داعش بل إن مدينة الموصل إسقطت في الإعلام قبل أن تدخلها جحافل داعش سالمة آمنة. ومن يراقب وسائل الإعلام العربية الكبرى ومتابعتها للحرب السعودية على اليمن، يظن أن ما يجري في اليمن هي أنظف حرب تجري على مر التاريخ .. لا ضحايا من المدنيين ولا أضرار مادية ولا ضرب للبنى التحتية بل هي حرب ضد الأشرار من أنصار الله ( كما يروجون) لا يسقط فيها إلا المسلحون قتلى ولا تلحق الضربات الجوية اضراراً إلا بمواقع عسكرية وثكنات تابعة للجيش اليمني.
والأخطر هو هذا الضخ الإعلامي عبر وسائل التواصل الإجتماعي التي كشفت عورات الكثيرين النفسية والفكرية، والفجوة الكبيرة بين مواطني ما يسمى بالعالم العربي الذين ينطقون لغة واحدة ولكنهم يتحاربون عبر وسائل التواصل بكل كلمات الحقد الطائفي والمذهبي والعرقي حتى تحولت صفحات الفايسبوك وتويتر إلى منابر لبث الكراهية وخطابات الحقد المذهبي المقيت، وهذا بالضبط ما تريده الدول التي تدير هذه الحرب وقد اطلقنا عليها إسم الحرب الناعمة.
الخطير في الموضوع أن هذا الإنفلات الإعلامي خاصة في مجال وسائل التواصل الإجتماعي ليس له ضوابط حاليا ولا قوانين ترعاه بل إن الأمر اصبح يشبه غابة من الوحوش التي هي على إستعداد للإنقضاض على الفريسة لأسباب قد تكون سياسية أو مذهبية أو ربما شخصية وهنا الخطورة.
كما أن الجماعات الإرهابية والمتطرفة إستفادت بدورها من هذا الإنفلات الإعلامي لتمرير رسائلها التكفيرية وبث صورها الدموية عن فظاعاتها في سوريا والعراق وليبيا ومصر.
في هذه المرحلة الحساسة التي تمر بها المنطقة بات من الضرورة والحكمة بمكان ان نساهم جميعا في التصدي لهذا المد من الكراهية والحقد والشائعات من خلال دورنا كإعلاميين ومواطنين عبر نشر الوعي وبث رسائل التسامح بين الناس حول القضايا الإجتماعية والسياسية والحياتية التي تشغل بال الكثيرين من التائهين في هذه الفوضى الإعلامية التي لن تتوقف في أي وقت قريب.