المحلية

“الدعش” من فوهة الفكاهة: مصطفى الكيلاني

“من ألف إلى باء” فيلم إماراتي عرض أمس في المسرح الكبير بدار الأوبرا، ضمن فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي، وسبقه استقبال كبير على السجادة الحمراء نظمته الشركة المنتجة، مع إدارة المهرجان، احتفاء بالفيلم الذي يتحدث عن ثلاثة شباب يريدون الاحتفاء بذكري صديق طفولتهم اللبناني الذي سقط شهيداً أثناء العدوان الصهيوني على لبنان في عام 2006، يوسف السعودي الهارب من سطوة والده السعودي وأمه الأيرلندية، والمصري “رامي” الغارق في تسجيل فيديوهات عن الثورة المصرية وبثها على يوتيوب والتغريد من خلال تويتر، و”عمر” السوري الذي تزوج من مصرية كان يحبها صديقهم الشهيد، الذي حلم معهم برحلة برية من مقر اقامتهم في “أبوظبي” حتى بيروت، وخذلهم صديقهم عمر من أجل حبيبته “أروى”.
المشاهد الكوميدية قادها شادي ألفونس، أحد أعضاء فريق باسم يوسف في “البرنامج؟”، وشاركه فيها السعودي فهد البتيري، منذ بداية رحلتهم عبر السعودية والأردن مرورا بدرعا في سوريا حتى بيروت، وخلال تلك الرحلة حاول السيناريست محمد حفظي مع مساعديه أشرف حمدي وروني خليل، تحديد ملامح كل شخصية، واللعب على الخلاف بين السعودي يوسف الذي لا يغفر للسوري عمر خذلانه لصديقهم هادي في رحلته التي انتهت باستشهاده.
ورغم أن المحور الأساسي للأحداث هو مقتل صديقهم أثناء العدوان الصهيوني على بيروت، إلا أن الشخصيات ذكرت فقط ما أسمته بـ “أحداث بيروت 2006″، واكتفي الكتاب والمخرج بحوار غلبت عليه الكوميديا حتى يستجدي الضحك، وتحول الموضوع الي تطور درامي مع خلاف يوسف وعمر في الصحراء السعودية، بعد جرعات من الخمر، ويستطيع والد يوسف ذو النفوذ وجواز السفر الدبلوماسي للسوري “عمر” انقاذهم من الشرطة السعودية، وعدم تطبيق حد الجلد حسب القوانين السعودية.
وبعد عبور الأصدقاء للحدود الأردنية، التقوا بفتاتين في قمة الجمال، يحاول السعودي التقرب من احداهما فيتسبب في حادث، ويقيمون معا في فندق واحد رغم اكتشاف الشباب أن الفتاتين يحملان الجنسية الصهيونية، وكان رد فعل المصري “رامي” واضحاً، في حين هرول السعودي للسباحة مع احداهن، فما كان منها الا أن خلعت ملابسه الداخلية التحتية، وتركته عاريا تماما في الفندق الأردني.
وكان لقاء عمر مع الفتاة التي أحبها فقيدهم “هادي” أثناء رحلته، التصاعد الدرامي الحقيقي للفيلم، والمؤدي للمغزى الأساسي للموضوع، الشباب قرروا الذهاب بالفتاة الى منزلها في درعا، تقابلهم سيارة للجيش العربي السوري، يعاملهم افرادها بكل قسوة، وينقذهم الضابط الذي يريد الخروج من هذا الوضع الجنوني –كما وصفه-، ثم يقابلهم مسلحون ملتحون ويأسرونهم في قبو أحد المساجد، ثم يعاملهم كبيرهم بكل لطف، ويفك رجاله وثاقهم وهم ينشدون إحدى أغاني المتأسلمين.
كل مشاهد الفيلم السابقة صنعت من أجل ذلك المشهد، الذي لم يزد عن 3 ثلاث دقائق على الشاشة، ولكن التمويل الضخم لعمل تم تصويره بالكامل في الصحراء، ورغم الإسقاط الواضح على شخصية السعودي التائه بين جنسية والده ووالدته الأيرلندية، الذي يشرب الخمر، ويقبل على مصادقة فتاة رغم علمه بجنسيتها الصهيونية، وينتهي به الأمر للوقوف بكل أدب أمام قبر صديه المسيحي بعد أن تصالح مع السوري عمر.
التبرير الواضح للميليشيات المتأسلمة في سوريا، رغم عدم بوح الشخصيات بذلك، لكن الصورة قالت كل شيء، وحكت عن الفارق بين رجال الجيش السوري الذين قبلوا على مضض أمر ضابطهم بترك الشباب والفتاة، وتحرشهم بهم بعدها، في مقابل أفراد الميليشيات المتأسلمة، والتي تقطن المسجد، وتترك الشباب عن طيب خاطر وهي تنشد.
الفيلم يستثمر كل ماعرفه كاتبه الموهوب محمد حفظي عن الخلطة التجارية التي تنجح في السوق المصرية، شباب يستخدم ألفاظاً نابية من لغة الشارع، ورحلة في سيارة لاندروفر فخمة، وشباب ثري يسافر حتى بدون أن يفكر حتى في مصاريف الرحلة، مناظر الصحراء وأبوظبي وبيروت وجبال الأردن الرائعة، وفتيات جميلات، مع كم من الضحكات يصنعها شخص بخفة ظل شادي ألفونس، خلطة تصنع النجاح في لحظة، وتجعل القاعة تصفق، وجمهور الشباب يطلق صفيره، وتمر رسالة “الدعش” بكل وضوح في أذهان المشاهدين.
الأزمة أن كاتب الفيلم والمشارك في انتاجه واحد من أهم قادة ملامح تيار التحرر في السينما المصرية، وكذلك دعم الفيلم عدد من النقاد الذين شاهدوا عرضه الأول في مهرجان أبوظبي، ولكن أموال “ايمج نيشن” و”روتانا” وصناديق الدعم الخليجية تصنع أكثر من ذلك، وتفرض على هؤلاء أن يدعموا ما يخالفهم تماما، والذي يطلب كل يوم رقابهم.
فليهنأ هؤلاء بدعشهم، ولكن السؤال الآن، كيف بدولة يسقط فيها يومياً شهداء على يدي أمثال هؤلاء أن يدعم مهرجانها الأشهر فيلماً يروج لأعدائها؟، ويعرضه بزهم واحتفاء يماثل ماحدث مع الأفلام المصرية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق