السرطان الذي اصاب الامة العربية – مليسا مسعد

عندما يتحول القتل على الهوية الى جهاد في سبيل الله لابد ان نتوقف، وعندما يتحول ذبح الاطفال و سبي النساء و تفجير المناطق الآهلة بالسكان الى تطبيقٍ لشرع الله و نصرة لدينه فلابد من إعادة النظر، و عندما يتحول المجرم الى مربٍ ديني و مجاهدٍ في سبيل الله فلابد من إعادة التفكير.
هذا الورم الذي ظهر مع شكري مصطفى و تطور لاسامة ابن لاذن ليفرز لنا اليوم ابو بكر البغدادي يشكل اكبر تهديد شهدته الامة منذ النكبة. فهو لا يهدد امن الامة و استقرارها فحسب، انما يهدد اقتصادها و ثقافتها و حضارتها، يهدد حاضرها و مستقبلها.
منذ اعلان تاسيس داعش الى اليوم تمكن التنظيم من السيطرة على مناطق شاسعة في غرب العراق و شمال شرق سوريا تعادل في مجموعها ثلث مساحة البلدين. مستغلين الاضهاد السني من قبل حكومة المالكي في العراق و القهر و المعاناة التي يعاني منها الشعب السوري ليوفر حاضنة شعبية تفوق 3 مليون كما اكد الصحفي الالماني يروجين تودنهوفر. في الواقع طبيعة الانظمة القمعية في سوريا و العراق و الخطاب الديني الشعبوي الذي تبنته كل من فصائل المقاومة في العراق و فصائل الثورة في سوريا، كانا اهم عاملين في ظهور التنظيم بقوة و استقطابه للتّأييد الشعبي، اضافة الى خطابات التجييش الطائفي التي امتهناها عدد كبير من رجال الدين.
كنا نتوقف حائرين و مرتبكين امام تطرف تنظيم القاعدة و استحلالهم لدماء الابرياء لكننا لم نكن نتوقع ان ينتج من رحم هذا التنظيم تنظيم يفوقه بمئات المرات وحشيةً و تعطشاً للدماء. فليس هناك من سلم من داعش لا السنة و لا الشيعة و لا العلوية و لا الايزيدية و لا المسيحيين، بل لم تسلم منهم لا فصائل الجيش الحر و لا شركائهم في الاديولوجية كالنصرة و جماعات عراقية مقاومة رفضت المبايعة. يقول الصحفي الالماني يروجين تودونهوفر و هو اول صحفي يحصل على تصريح من البغدادي للدخول و التصوير في مناطق سيطرة داعش ” هم يشكلون نسبة واحد بالمائة من العالم الاسلامي و لكنهم يملكون قوة تدميرية مماثلة لتسونامي نووي “.
لنتمكن من استعاب الحاضر يجب ان نعود قليلا الى الوراء لتكتمل عندنا الصورة. الحركات الاصولية المتشددة ليست وليدة الامس هي في الواقع وليدة ثقافة اسلامية متناقضة منذ قرون، تلك الثقافة ذات الحذين بين الرحمة و العنف، بين التسامح و الكره، بين الحكمة و الجهل، بين الحرية و العبودية، بين تبشير محمد و تبشير رجال الدين. نسختان متناقضتان احداهما انتجت ابن تيمية و سيد قطب و شكري مصطفى و البغدادي… و الاخرى انتجت الفارابي و ابن رشد و محمد عبده و مصطفى محمود و توفيق الحكيم…
ما تمارسه ما تسمى بهتا و زورا بالدولة الاسلامية في العراق و الشام من قتل و تهجير و سبي لنساء المسيحيين و اليزيديين و تفجير مناطق الشيعيين و اضطهاد و ذبح المخلافين من السنة، هو في الواقع ذروة التشدد منذ عهد محاكم التفتيش. تشير الارقام الى ان ما يقارب 3 مليون مسيحي هجروا من كل من سواريا و العراق خلال السنتين الماضيتين خوفا و هروبا من التهديد الداعشي ناهيك عن عدد الضحايا الذين سقطوا على يد برابرة القرن 21. اما ما ارتكبوه بحق اليزيدين فهي جرائم يندى لها الجبين وتقشعر لها الأبدان ” اسواق عمومية لبيع النساء ” دليل على مدى بربرية و همجية هذا التنظيم المعادي للانسانية و الحرية و الرحمة.
اجرى المركز العربي للابحاث و دراسة السياسات استطلاعا كشف فيه ان المجتمعات العربية ترفض إلى حد كبير جدا تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، بنسبة 85%، فيما 59% يؤيدون ضربات التحالف الدولي الجوية ضد التنظيم، غير أن نسبة قليلة لا تتجاوز 22% يرون أنها ستحقق أهدافها. هذا في الواقع مؤشر على ان الشعوب العربية بدأت تدرك الخطر الذي يشكله هذا النوع من التنظيمات على تنميتهم و تقدمهم بل حتى على ثوراتهم فا لوحظ مؤخرا مع الربيع العربي انه كلما اراد شعب ان يتحرر الا و تظهر فيه مثل هذا النوع من الجماعات التي تقوم بتخريب للثورات و فته الطريق لعودة الاستبداد و ادخال الحرب في صراعات دموية كما شهدنا في ليبيا.
عندما نحلل ممارسات التنظيم من ناحية الدينية، نجد تناقضا واضحا و صارخا مع تعاليم الاسلام و اخلاق الرسول. كيف يعقل ان يكون قدوة البغدادي العليا هو سيد المرسلين ؟ الا اذا كان يصور نبي على مقاصه منطلقا من حديث موضوع ” بعتث بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله وحده لا شريك له ” في مخالفة صريحة للنص القرآني الذي اكد على حرية المعتقد “وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر”، “أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين”، “لكم دينك و لي ديني” مواضع عدة تنص على حرية المعتقد و احترام معتقادات الآخرين، بل و اكثر من هذا اذا كان رسول الله عفى عن من ضربوه و سبوه و اهانوه و ارادوا قتله يوم فتح مكة في الحادثة التي وصفها توماس كارلايل بالعفو الذي لم يشهد مثله التاريخ و هو من عاش في ظله يهود المدينة معززين مكرمين و هو من استأمن اصحابه عند الملك المسيحي العادل. كل ما صح خبره عن محمد و كل ما اتى بالقرآن لا يترك مجالا للشك بان دين الاسلام بريء برائة الذئب من دم ابن يعقوب، بل ان اول كلمة نزلت على محمد كانت ” اقرأ ” في اشارة الىان العلم هو سبيل التطور و تحقيق العدل و المساوات و العدالة الاجتماعية.