المحلية

المقاومة ثقافة ورصاصة … – عبدالله ارسلان

كثيراً ما نكتب عن ثقافة المقاومة، ونحاول أن نسلّط الضوء على أهمية بناء رؤى معرفية تقودنا في الاستدلال على صيغ خطاب المقاومة في واقع مثخن بالشعارات الرنانة أدمت الجسد العربي، ولم تفلح في تغذية العقل العربي والمسلم، بل عطلت في كثير من الأحيان وشوشت صورة الواقع، وحتى لا يبدو الأمر مجرد تكرار لمقولات سابقة واستجرارها، فإن مفردات واقعنا العربي شكلت حاضنة للخطاب وديمومته، أو لنقل انبعاثة في فترة زمنية ما.. وفي قلب ذلك المناخ كان فعل التأثير والتأثر..
فبعد العام 1948 شهدنا ذلك الحماس المنقطع النظير من مفكرين وكتاب وروائيين أسهموا في إغناء المشهد وقراءته قراءة فاحصة.. وبحالة تصاعدية ما عنى من رؤية بدأت تتمظهر في فهم مفردات النكبة، وما فرضته من معطيات جديدة تطلبت استنفاراً متوثباً للرد على واقع فرض نفسه على أمة ولود لم ينضب معينها، فشهدنا كماً من القراءات بمختلف صنوفها حرضت على تجاوز الواقع وإحباطاته، مع تصاعد المد القومي العربي الذي جاء من خضم الهزيمة والنكبة، وبالتالي ومع سنوات الحراك القومي العربي شهدت فترة الخمسينيات ومطلع الستينيات وما تلاهما نمواً متصاعداً لثقافة المقاومة التي أخذت بأسباب النكبة لتصيغ خطاباً حفر عميقاً في المجتمع العربي، آخذين بعين الاعتبار كل الظروف التي تسور استقلالية القرار العربي، ومع هذا لم يكن الخطاب المقاوم متخلفاً بل ريادياً في حضوره، ولم يأفل نجمه كما يروج بعض الذين دب فيهم الإحباط. ولنقل إن خطاب وثقافة المقاومة لم تشهدان تصدعاً في البنى المؤسسة، وإن حدث خلل ما فإن مردّ ذلك لما طرأ من تبدل في الخطاب لبعض النظام الرسمي العربي، الذي وجد نفسه عاجزاً عن الاندماج في وحدة تكامل إرادة الأمة وتماسك بنيتها، وهذا بلا شك فرض حالة من الارتداد لبعض النخب التي رأت أن الواقع قد تجاوزها، وأصبحت عاجزة عن تقديم إجابات على حالة الانكسار الداخلي.
ومع كل ما شهده الواقع العربي من تبدلات مفهوميه أدخلت رأسها لتستجر وراءها خطاب الإحباط والرضوخ لمحددات بعينها، فإن خطاب ثقافة المقاومة لم ينسحب من المشهد العربي بشكل عام، وظل حاضراً وإن بنسب متفاوتة، وباعتراف العدو قبل الصديق أن الشارع العربي ورغم كل ما اجتاحه من انكسارات عبر عقود طويلة، لم يبدل في مفهومه للعدو، بل طور من خطابه المستند إلى مورث ثقافي مقاوم، وإن كان في كل بلد على حدا، لكن الجامع في الرؤى كانت المقاومة وخطابها، وقراءة بينة لطبيعة الاستهداف، وبرأيي فإن الاشتباك الذي لم يزل متواصلاً على الجبهة الثقافية والسياسية والعسكرية مع المشروع الآخر قد فتح مجالاً وأبواباً واسعة لاجتراح ثقافة مجتمعية بعيداً عن كثير من الأنظمة العربية التي لا تلتفت أصلاً لشعوبها. وهنا نشير إلى أن الشعب الفلسطيني وبعد كل هذه العقود من الهجرة لم يخرج من دائرة الفعل بل غدا محركاً للأحداث، وإن ما يتعرض اليوم لتسلط على قراره من سلطة صُنعت لأجل ذلك، لكن توزع الشعب الفلسطيني وثقافة الانتماء وعودته للمورث الثقافي المقاوم وقراءته لواقع بعض النظم العربية التي تحلل بعضها من قضية فلسطين يدفعه للتشبث بثقافة المقاومة. ولنطل أيضاً من نافذة ثقافة خطاب المقاومة للشعب اللبناني الذي ورغم سنين القهر صاغ منظومته الجهادية التي تعكس روح المقاومة المستوطنة في ثقافته اليومية، ونحن نتحدث هنا عن تحد لواقع أريد له أن يطبع في العقل العربي والمسلم، بعد أن استكان بعض النظام الرسمي العربي لمعادلات القوة وجعل من أيامه تنظيراً “للسلام” والتهافت على التطبيع مع عدو الأمس.
خطاب المقاومة وثقافتها ثابتان في أمتنا ولم يتبدلان.. وأوجدا أرضاً خصبة للولادة الفكرية الناضجة، وهانحن نرى اليوم تلك الصورة التي تمثلها المقاومة في لبنان وفلسطين، ومعهما سورية وإيران وأحرار العالم، لتؤكد أن خطاب المقاومة وثقافتها عصيّان على الانكسار، بل هما أصيلان أصالة الانتماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق