المحلية

تركيا تَئد حلم الأكراد ؟ – ناديا ع. الحلاق

ما ان استطاع الأكراد طرد “داعش” من تل ابيض الاستراتيجية حتى انهالت عليهم الاتهامات التركية بإطلاق حملة “تطهير عرقي” ضد الأقليات الأخرى في المنطقة، لا سيما العرب، وبالسعي إلى إقامة منطقة للحكم الذاتي تمتد من العراق حتى كوباني في محافظة حلب السورية. وبعد انتصاراتهم على الدولة الاسلامية استطاعوا التأكيد على انهم قوة لا يستهان بها. فهل تمهد سيطرتهم على شمال سورية لقيام كيان مستقل؟ وماذا عن الجارة تركيا، التي تخشى سيناريوهات مماثلة من مواطنيها الأكراد، الذين يمثلون قوة سكانية كبيرة داخل أراضيها؟

مشروع قيام دولة كردستان حلم يراود الاكراد في منطقة الشرق الأوسط، ومن بينهم أكراد سورية، الامر الذي يضع تركيا امام قلق وخشية من بروز الأكراد في سورية كقوة مقاتلة تنتزع مناطق من “داعش” وتمهد الى ظهورها كقوة قتالية في وجه تركيا”.
ومن المعلوم أن تركيا تتضمن أكبر أقلية كردية، حيث يعيش فيها نحو 14 مليون كردي، اذ تنظر تركيا إلى التقدم الميداني للأكراد في سورية بأنه يصب أيضا في إطار مشروع قيام دولة كردية داخل حدود تركيا، من شأنها تهديد الامن التركي.

والمتتبع للتطورات يدرك ان الاستراتيجية المُتّبعة مؤخرا في الشمال السوري، تهدف إلى ربط المناطق التي يسيطر عليها تنظيم حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (PYD) ببعضها البعض، وذلك من أجل فتح ممر آمن باتجاه الساحل السوري وتحضير الأرضية لإعلان الدولة الكردية.

وتقوم عناصر التنظيمين المذكورين بالهجوم على منطقة تل أبيض ذات الأغلبية التركمانية والعربية، وذلك بحجة محاربة عناصر داعش هناك، لإجبار سكان المنطقة الأصليين على النزوح باتجاه الأراضي التركية كي تسنح لهم الفرصة لتغيير التركيبة الجغرافية للمنطقة.
كل هذه التطورات تهدد أمن وحدود تركيا وتجعلها تخشى “شبح” التقدم الكردي، ما يعني ان تركيا سواء من جهة اردوغان او زعماء الاحزاب الذين يرفضون فكرة قيام الحكم الذاتي في تركيا او سورية او العراق سيصبون كل جهودهم من اجل المحافظة على ضوابطهم السياسية وثوابتهم بعدم السماح للاكراد بتحقيق حلمهم و”طمسهم” اينما وجدوا.

ولكن رغم ذلك لا يخفى ان اكراد سورية برهنوا أنهم قوة لا بد أن يحسب لها حساب. فبعد طردهم مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية من بلدة كوباني الكردية في كانون الثاني الماضي، ها هم يحكمون قبضتهم على مدينة تل أبيض الاستراتيجية في محافظة الرقة العاصمة المفترضة لـ “داعش”، موجهين للتنظيم الإرهابي ضربة موجعة. فمن أمن الغطاء لهجومهم؟ وهل سيطرة الاكراد على تل ابيض هي بداية نهاية “داعش”؟

استطاع الاكراد تحقيق مكاسبهم بدعم واشنطن، إذ شكلت غارات التحالف الدولي- العربي غطاء جوياً لتقدم المقاتلين في استعادة البلدة وذلك للضغط على إردوغان، لا سيما بعد قلق واشنطن من الانتصارات التي حققتها فصائل إسلامية ضمن تحالف “جيش الفتح”، بينها “جبهة النصرة”، بالسيطرة على محافظة إدلب في شمال غرب البلاد واتهام واشنطن ودول غربية أنقرة بعدم القيام بما يكفي لـ “خنق” تنظيم “داعش” وإغلاق الحدود.
ومن المعروف ان تل أبيض موقع استراتيجي جدا، كونه يربط بين منطقتين كرديتين كانتا منفصلتين. وتكمن أهميته بقربه من الرقة، معقل “داعش”.

كما ان انتزاع اكراد سورية السيطرة على المعبر الحدودي بين مدينتي تل أبيض السورية وأقجة قلعة التركية من تنظيم “داعش” يعني حتماً قطع طريق الإمدادات عن “داعش” ومنع تسلل المقاتلين الأجانب إلى الأراضي السورية للالتحاق بالتظيم المتطرف الامر الذي يقوضه ويحد من توسعه وانتشاره. خصوصاً وان مدينة تل أبيض تقع على الحدود السورية- التركية وتبعد نحو مائة كيلومتر شمال مدينة الرقة، التي تعتبر عاصمة تنظيم “داعش”، وهي من اهم نقاط العبور للأسلحة والمقاتلين “الجهاديين” وكذلك لعبور النفط الذي يباع في السوق السوداء. فالبلدة وباختصار هي شريان الحياة الرئيسي، الذي يربط مدينة الرقة بالعالم الخارجي، وسقوطها يعني تقهقر “داعش” وتقليص فرص امتداده في خطوة الى دحره.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق