المحلية

جريمتنا في باريس… !

مليسا مسعد : ( خاص )

خُذْ وصفةَ الانتحار من أيّ مرجع. الكتبُ موجودة في أكشاك الشوارع، وفي مكتبات المدارس او بضغطة زر على اي محرك بحث. الأعمالُ الكاملةُ للإرهاب متوفرةٌ بسهولة، ليرتدي ثمانية انتحاريين أحزمة ناسفة، ويقتلوا ويجرحوا مئات الناس في باريس. لا مفاجأة سوى بتعدد أساليب الإرهاب والموت والانتقام من الحياة.

هذا هو “داعش” مجدداً.. هذا الانتحارُ بصمةٌ سوداءُ نعرفها جيداً، وهي مطبوعةٌ على امتداد الجغرافية العربية والإسلامية. كلّ ما يحتاجه “داعش” تجنيد بعض المجرمين و المختلين على الانترنت، ما دامت الادمغةُ مغسولةً بفتوى، وما دامت المخدراتُ سهلة المتناول.

ندينُ جرائم الإرهاب، ونتألمُ للضحايا، ودائماً يجب ألا ننسى أنّ الحرب إذا لم تبدأ على هذا الشرّ في تربتها و طينتها، فسوفَ تتسلل الجذورُ القبيحة إلى كل حديقة في العالم، وتأكلُ النّاس وهم غافلون في أيام الإجازات. لا مأمنَ في هذا العالم من الإرهاب الدينيّ. لا تدابير يُمكن أن تردعَ إرهابياً من تفجير نفسه، وقتل الناس في الشوارع والمطاعم والمسارح، وفي كلّ مكان. الانتحاريون في باريس ونيويورك ومدريد ولندن، مثلما هم في عمّان وبيروت وبغداد والرقة، لا بوصلة تقودهم سوى الموت.

الحربُ بالطائرات والصواريخ ما تزال غير فعّالة ومُجدية. ان الطرق التي ينهجا العالم من حوالي عقدين ممكن ان تقتل بعض الارهابيين و تعتقل البعض الآخر، لكنها لن توقف الارهاب و لن توقف الفكر المتطرف، كلما قتل ارهابي، خلفه خمسة ارهابيين. مواجهة الفكرة اولا ثم راس الافعى و التي تتمثل في النظام السوري هي السبل الاولى التي يجب ان تنتَهج في مواجهة هذا الارهاب. محاربة أسباب الوباء وجذوره. المسؤولية مشتركة.

لا يجب أن نذهبَ إلى التبرير المُعتاد والتقليديّ والمحفوظ بإلقاء المسؤولية على العالم المتمدن والقويّ لأنه دعم الاستبداد والاحتلال في بلاد العرب والمسلمين. فهذه ليست دوافع الأرهابيين في قتلنا قبل قتل الفرنسيين والأميركيين وغيرهم. الدواعشُ محكومون بأسبابٍ أخرى، وما يرتكبونه من فظائع ليس تعبيراً عن الظلم واليأس والإحباط، ما يريدونه أبعد من ذلك، فهم قادمون لإعادة التاريخ من السطر الأول، من السيف، والدم، والموت. هكذا يفهمون التاريخ، ويحلمونَ بفرضه على المستقبل. يُرِيدُون دولةً إسلامية تترامى جغرافياً في العالم، تبسطُ قانونها على البشر. العالِمُ كله في منهجهم ينقسمُ إلى “مرتدين وصليبيين ويهود ومُلحدين”.. ثمّ “هُم” في مواجهة الكرة الأرضية.

تفجيرات باريس و قبلها احداث 11 ايلول هي ارهاب اسلامي، يجب ان نقول ذلك بوضوح و حزم، فهي ليستْ ارهاب مسيحي أو ارهاب إلحادي او ارهاب بوذي مثلا؟! و هي ليستْ ارهاب لدوافع اقتصادية او عرقية مثلا! نقرن هنا الارهاب مع العقيدة لكون العمل الارهابي يستند في مشروعيته الى اسباب و دوافع عقائدية من قبيل: كافرين .. جهاد.. الجنة، نصوص قرآنية و ما شابه. و وصف العمل الارهابي بالاسلامي لا يدين كلّ المسلمين بل فقط من يقومون او يبررون هكذا اعمال، و لكنّه يضع مسؤولية اخلاقية و أدبية و ثقافية للتعامل مع هكذا ثقافة محرّضة على الارهاب..و تسريع استحقاقات الاصلاح و التنوير الديني.

يجب أنْ نتوقف عن هذا الوهم في تسويغ الإرهاب. الانتحاريون وعصاباتهم لا يقتلون النَّاسَ لأجلِ احتلال فلسطين وغزو العراق وأفغانستان، وليسَ لأنّ الغرب دعمَ الاستبدادَ في منطقتنا. ذلك يُكذبهُ تفجير المساجد والحسينيات، قبل الكنائس والتماثيل والمواقع الأثرية. يُكذبه ذبح أطفال المسلمين، قبل غيرهم. لنتوقف عن هذه الخديعة. فنحن مسؤولون أكثر، فقد ربّينا الوحوش في بيوتنا ومدارسنا ومساجدنا، وها هم طليقون في الشوارع، ويقيمون دولاً، ترتفعُ راياتها السوداء على الجثث والدم والحرائق، ولذلك نَحْنُ الأشدُّ خسارة، وفضيحة.

بالغُ الألم لشهداء باريس. ولشهداء بيروت، وقبلها لكلّ ضحايا الانتحار والشر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق