“داعش” والحياة .. إرادتان متناقضتان – سامح مظهر

ما فعلته “داعش” خلال السنوات الماضية ، بالبلدان والشعوب العربية ، عجزت عنها الصهيونية ومن ورائها الغرب وامريكا ان تفعله خلال عقود طويلة ،، وآخر ما استهدفته “داعش” ، هو التراث العراقي والانساني ، والذي كان هدفا استراتيجيا وبعيد المنال للحركة الصهيونية منذ بدايتها وحتى اليوم.
ففي الوقت الذي تؤكد الحركة الصهيونية على تراث وهمي لها في فلسطين ، وتعمل ليل نهار في البحث عن الهيكل المزعوم تحت الاقصى الشريف ، لاثبات نظيرتها حول وجود جذور صهيونية في ارض فلسطين ، يمكن ان يبرر احتلالها وجرائمها ، نرى الصهيونية وعبر معول “داعش” تدمر وتمحي التراث الانساني في العراق والذي يعود الى اكثر من اربعة الاف سنة ، وكذلك فعلت في سوريا ، بهدف الانتقام من هذا التراث الذي يؤكد كذب ادعاء الصهيونية بوجود تاريخ لها في هذه المنطقة من العالم ، ولامحاء كل اثر يمكن ان يكشف هذا الزيف التاريخي ، الذي اقيمت على اساسه “اسرائيل”.
ليس هناك من انسان يملك ذرة من عقل يمكن ان يقتنع برواية “داعش” حول استهدافها لتراث العراق القديم ، على انه استهداف للوثنية والاصنام ، والتزاما بتعاليم الاسلام السمحاء ، بينما الاسلام الذي حكم هذه الديار منذ 1400 عام لم يتعرض لهذا التراث ، الذي يعتبر ملك الانسانية جمعاء ، كما انه ليس هناك لا في العراق ولا خارجه من كان يتعامل مع هذا التراث على انه صنم يعبده دون الله ، فمثل هذه الافكار المريضة لا تعشعش الا في عقول “داعش” ، مطية الصهيونية الطيعة.
ان استهداف التراث العراقي وتدميره من قبل “داعش” ، يعتبر آخر هدف من سلسلة الاهداف التي كانت مدرجة على قائمة الاهداف الصهيونية منذ عشرات السنين ، والتي حققتها “داعش” للصهيونية من دون ان تطلق رصاصة واحدة او تسقط قطرة دم واحدة من جندي صهيوني ، واهم تلك الاهداف :
-اشعال نار فتنة طائفية مصطنعة ، ليقتل المسلمون بعضهم بعضا ، وهي الفتنة “الشيعية السنية”.
-ضرب الجيوش العربية عبر اشغالها في حروب داخلية تستنزف الجيوش وتضعفها.
-اهدار ثروات العرب والمسلمين في الحروب العبثية وعدم استخدامها من اجل تعزيز قدراتهم العسكرية والاقتصادية.
-تقسيم البلدان العربية على اسس دينية وطائفية وعرقية.
-تحريض اتباع الديانات والطوائف والقوميات على بعضهم البعض ، وتحويلهم الى حطب نار حروب لا تخمد.
-تشتيت وشرذمة المجتمعات العربية.
-خلق اعداء وهميين للعرب ، وتجنيد كل الطاقات من اجل محاربة هذا العدو الوهمي.
-دفع الشعوب العربية الى حالة من اليأس والاحباط ، تدفعها الى استمداد العون من امريكا واعتبارها المنقذ الوحيد.
-حذف فلسطين من ذاكرة و وجدان الانسان العربي.
-تشويه صورة الاسلام.
-اظهار المسلمين كقتلة ومجرمين وسفاحين وساديين ومتخلفين.
اما هدف كل هذه الاهداف فهو الحفاظ على امن الكيان الصهيوني ، والابقاء عليه متفوقا على جميع العرب الضعفاء والمشرذمين ، بل العمل على تسويقه ك”دولة” قوية ديمقراطية متحضرة ، وسط شعوب عربية متخلفة يذبح بعضها البعض دون رحمة ، بحيث يصل الامر ببعض العرب الى ان يمد يده الى هذا الكيان المجرم للحصول على الدعم والاسناد من اجل مواصلة الحرب المدمرة ، كما يحدث الان.
ولكن رغم كل ما قامت به الصهيونية وصنيعتها “داعش” في المنطقة من فظائع ، ورغم كل الماساة التي تعيشها شعوب المنطقة ، الا ان ارادة الحياة ، التي تُصقل في لهيب نيران الفتنة “الداعشية” الصهيونية ، تبقى هي الاقوى ، ويمكن تلمس تجلياتها في الانتصارات التي يحققها الجيش السوري في مختلف الجبهات ، وكذلك الانتصارات التي يحققها الجيش العراقي وقوات الحشد الشعبي في مختلف الجبهات ، وحالة الانهيار التي اخذت تدب في صفوف “داعش” والتكفيريين ،وكذلك يمكن تلمس اثار هذه الارادة ، في الرفض الشعبي لممارسات “داعش” وباقي الزمر التكفيرية في العراق وسوريا ولبنان وليبيا وتونس والجزائر ومصر وغيرها ، كل هذه التجليات تؤكد حقيقة واحدة وهي ؛ ان لا مكان ل”داعش” الظلامية بين الشعوب العربية ، فاذا ما تمكنت ارادة الموت المتمثلة ب”داعش” ان تتسلل ، في غفلة من الزمن ، الى بعض الجسد العربي ، الا ان ارادة الحياة التي اعطت هذا الجسد القوة على الاستمرارية ، ستلفظه كما لفظت الصهيونية.