رؤية دستورية لأزمة وجودية – علوان نعيم امين الدين

يكاد يُجمع السياسيون على مسألة “انهيار” مؤسسات الدولة بسبب فشلها في ادارة العديد من الازمات التي يعاني منها لبنان. ليس هذا فحسب، بل يرى الكثيرون منهم بأن الازمة تمتد الى الكيان نفسه، مع خوف حقيقي من سقوط بقية مقوماته.
بعد أحداث 2005 وتداعياتها، تأكد سقوط مفاعيل اتفاق “الطائف” رسمياً، وبات هناك حاجة الى ايجاد صيغة بديلة، خصوصاً مع وجود أزمة عند اللاعبين الإقليميين (في فترة سابقة من الفترات) منعت من صمود هذا الاتفاق، أو حتى اعادة انتاجه، أو حتى التفكير في حل جديد، علماً ان التسويات في لبنان تتم، في معظمها، خارج الحدود ووجود علاقة جدلية حقيقية فيما بين الوضعين اللبناني والإقليمي.
وفي ظل واقع داخلي غير مؤهَّل للقيام بعصيان مدني وطني شامل لتغيير الاوضاع وفرض واقع جديد يلزم السلطة به (احياناً تكون نوعاً من انواع “النكاية”) بسبب المذهبية التي تضرب العمق البشري فيه، وفي ظل غياب كامل لفكرة قيام الجيش بأخذ زمام المبادرة واستيلام الحكم، كما حدث في كل من تونس ومصر، يبقى الامل على الحوار الذي يعتبر المخرج الأسلم للازمة.
ومع الحديث عن طاولة حوار جديدة برعاية رئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه (بسبب الفراغ في الرئاسة الاولى وقدرة بري على جمع الاطراف والتأثير فيها الى حد ما)، والاهم منها يأتي الحوار بين كل من حزب الله وتيار المستقبل (وهو العامل المؤثر في أية حوارات أخرى حيث تسير الاحداث من خلال نتائجه سلباً أم إيجاباً)، هناك فرصة حقيقية لايجاد صيغة لبنانية-لبنانية قد تؤسس الى حل داخلي وطني حقيقي ليكون “حلاً لبنانياً صرفاً” للمرة الاولى بما أن “أهل مكة أدرى بشعابها”.
في هذا الشأن، تم التداول في بعض الطروحات التي لم تلقَ صدىً لدى العديد من المسؤولين، لما فيها من تغيير جذري وشبه كامل للنظام القائم. الطرح الأول، انتخاب الرئيس مباشرة من الشعب، وهذا الامر تصدت له العديد من المرجعيات لاسباب عدة. لن ندخل في تفاصيل هذا الموضوع ولكن هناك امر مهم يجب الاشارة اليه. عند انتخاب رئيس من الشعب، يصبح النظام البرلماني غير ذي فائدة. فلا يمكن انتخاب رئيس من الشعب من دون اعطائه صلاحيات اساسية وفاعلة. وهنا، يتوجب الغاء النظام البرلماني القائم وتحويله الى نظام رئاسي (الولايات المتحدة الاميركية) ام على الاقل نظام شبه رئاسي (فرنسا). يبدو ان هذا الموضوع غير مرحب به على الاقل في الوقت الحالي.
اما الطرح الثاني، فقد تجسد في اقامة “مؤتمر تأسيسي جديد” يكون مدخلاً لبناء الدولة، وتغيير نظام الحالي بعدما اثبت عجزه كما ذُكر آنفاً. هذا الطرح ايضاً لم يلق قبولاً ولا حتى ترحيباً من بعض المرجعيات الروحية الاساسية في لبنان التي خافت من أن اعادة تشكل النظام القائم وقد يقلل من حصتها في أية تفاهمات مقبلة.
بعد هذا الاستعراض للاحداث والطروحات، يمكن وضع رؤية وسطية، يمكن تسميتها “خارط الطريق الدستورية”، بين كل ما طُرح اعلاه تعتمد فيه على الدستور الحالي كـ “مخرج ناقل” من ما نحن فيه اليوم الى واقع جديد على شاكلة فترة زمنية انتقالية لإعادة ترتيب نظام الحكم.
أما ابرز معالم هذه الرؤية فتتمثل في:
1. تعليق مجلس النواب للمواد المتعلقة بانتخاب الرئيس (المادة 49 من الدستور وتحديداً الفقرة 2 منها) التي تقضي بأن فترة الحكم هي ست سنوات (وهذا ما يعنينا في هذه الرؤية). ومن الجدير ذكره هنا بأن قرار مجلس النواب هذا يعتبر عملاً من اعمال السيادة حيث لا يخضع لأي رقابة سواء سياسية ام قضائية (المجلس الدستوري، مجلس شورى الدولة)؛
2. تعليق المادة 24 من الدستور، وخاصة ما تنص عليه من تساوٍ في المقاعد النيابية بين المسلمين والمسيحيين (فقرة “أ” منها)، اضافة الى التناسب بين المناطق ايضاً (الفقرة “ج” منها). كما يلعق العمل بالمادة 25 منه ايضاً لترابطها اللصيق بهذه المادة؛
3. اقرار مادة وحيدة تتمثل في اجراء انتخابات نيابية على اساس قانون النسبية خارج القيد الطائفي ضمن لبنان دائرة واحدة؛
4. تعيين رئيس مجلس القضاء الاعلى او أعلى رتبة قضائية رئيساً للجمهورية لفترة انتقالية تنتهي فور انتخاب رئيس للجمهورية من قبل مجلس النواب، خاصة وان مجلس النواب يعتبر هيئة انتخابية دائمة بسبب شغور سدة الرئاسة الاولى؛
5. يقوم المجلس النيابي بحل نفسه، وهو حق له اذا ما صدر بقانون على غرار التمديد لنفسه كما جرى لمرتين (أيار/مايو 2013، وتشرين الثاني/نوفمبر 2014)، كونه صاحب الاختصاص التشريعي، وقياساً على حق الحكومة بالاستقالة ووضعها موضع تصريف للاعمال؛
6. تتحول الحكومة الحالية فوراً، وبحكم الدستور، الى حكومة تصريف اعمال يقوم عليها واجب اجراء انتخابات في اسرع وقت ممكن في مهله لا تتجاوز الشهرين على اساس القانون الانتخابي الجديد الذي اقره المجلس قبل حله؛
7. بعد انتخاب المجلس الجديد، يقوم بإعادة العمل بالمادة 49 من الدستور وينتخب رئيساً جديداً للجمهورية لمدة كاملة قوامها ست سنوات، ويستلم مقاليد الحكم من سلفه المعين؛
8. يجري الرئيس الجديد مشاوراته النيابية بهدف تشكيل حكومة بناء على موازين القوى الجديدة التي افرزتها الانتخابات الجديدة للمجلس؛
9. يُشكل مجلس النواب الهئية الوطنية لالغاء الطائفية السياسية كما تنص عليها المادة 95 من الدستور (فقرة “أ” تحديداً)، تنبثق عنها مقررات بأنشاء لجنة تأسيسية تكون مهمتها وضع مسودة دستور جديد خلال مهلة لا تتجاوز الستة اشهر على الاكثر تكون “المواطنة” في صلب مواده، اضافة الى اختيار نظام للحكم اذا وقع الاتفاق على الغاء النظام البرلماني؛
10. بعد انجاز اللجنة لعملها، تُعرض مسودة الدستور على الاستفتاء الشعبي، فإذا حازت على 51% من نسبة المقترعين يصبح الدستور الجديد نافذاً بعد اعلان النتيجة؛
11. تعتبر فترة الرئاسة هذه مرحلة انتقالية يتم بعدها فتح باب الترشح لأي مواطن لبناني يتمتع بشروط الرئاسة التي ينص عليها الدستور الجديد.
قد تكون هذه الرؤيا ورقة للنقاش تعترضها العديد من المعوقات اهمها:
– هل ستقبل الطوائف بحل “تتقاعد فيه الطائفية” وتحل مكانها الوطنية التي قد تسلبهم قوة النفوذ والتأثير على مجريات الحكم والدولة؟؛
– هل من الممكن ان يتنازل النواب الحالين بالتنازل عن مراكزهم في لحظة اقليمية مصيرية يتهم فيها بعضم بالانخراط فيها؟؛
– هل ستقبل بعض القوى الحالية، التي تحضى بمقاعد نيابية، بقانون انتخابي نسبي (كما عُرض اعلاه) قد تخسر فيه هذه المقاعد او بعضها؟!
هذه رؤية حل، او يمكن تسميتها “مبادرة”، نتقدم بها كوننا، كمواطنين، نتحمل قسماً من مسؤولية ما يجري. قد تحمل من الانتقاد اكثر بكثير من التأييد أو التعديل. لا يهم. المهم ان علينا ايجاد صيغة انقاذية تحمي هذا الكيان من السقوط خصوصاً واننا نواجه تحديدات كبرى داخلية وخارجية.