راية حزب الله.. زرعت فوق تلة موسى وشوهدت في تل أبيب – حسين طليس

لا مكان للعبثية في ما يفعله أو يعلنه حزب الله هذه الأيام. فكل خطوة يقدم عليها في هذه الظروف البالغة الحساسية والدقة، محسوبة ومدروسة على أكمل وجه، وكل ما يصدر عنه يحمل في طياته غاية ورسائل يريد إيصالها وإستخدامها في سياق الحرب الكبرى الدائرة في المنطقة.
إن أول ما قفز الى ذاكرة كل من شاهد المقاطع المصورة التي عرضها “الإعلام الحربي” أمس، للمعارك الجارية في منطقة القلمون، كان مشهد إقتحام المقاومة في تسعينيات القرن الماضي للمواقع الصهيونية في الجنوب اللبناني قبل تحريره. فمن مشاهد تسلق التلال واكتساحها الى مشاهد الإسناد الناري (الصاروخي والمدفعي)، حتى مشهد زرع الراية فوق قمة طلعة موسى، التي اعادت المتابعين الى زمن “موقع الدبشة”، كلها شكلت شيفرة مصورة سرعان ما كشفت “المرسل إليه” الصهيوني، الذي تلقى الرسالة الواضحة حتماً.
الأمر يتجاوز التخمينات والتحليلات، فمن يبحث في أهمية معركة القلمون وخلفياتها، إضافة إلى تبعات إنتصار حزب الله فيها، يدرك الرسائل الكامنة خلف يث الإعلام الحربي في حزب الله، لتلك المقاطع التي تظهر قدرات العناصر وحجم التناغم بين المجموعات، إضافة الى التكتيكات والفنون العسكرية المعتمدة في السيطرة على المواقع المحصنة. كذلك يدرك سبب الترويج الضخم والمقصود للمقطع الخاص بزرع راية الحزب فوق قمة طلعة موسى تحديداً، والذي لا شك تم تصويره عمداً وعرض بشكل مستقل قبيل بث باقي مشاهد المعركة، كرسالة تنبيه للإسرائيلي تتضمن تحفيزا لذاكرته التي يحتل شهر أيار فيها حيزا كبيراً، وإنذاراً بأن ما يلي من مشاهد مخصصة له ولمراكز دراساته العسكرية.
في الشكل، فإن المشهد أظهر حجم التقدم الذي بلغته الأساليب القتالية لحزب الله، لناحية قدرته على إجتياح مساحات كبيرة مهما تنوعت تضاريسها عبر استراتيجية القصف التمهيدي الدقيق والفعال الذي يسبق تقدم مجموعات المشاة، وتطويره لقدراته المؤللة التي بلغت حد إستخدام الدبابات وإستحداث ناقلات تلائم التضاريس الوعرة، إضافة الى قدرات الرصد الجوي المواكب للمعارك، وحجم التناسق في هجومه بين الحركة والنار. ما شكل درساً جديداً في حرب العصابات قائم على مزجها مع تكتيكات الجيوش النظامية في الحصار والتقدم، أنتج قدرة للمجموعات الصغيرة على اعتماد نمط هجومي وإجتياح مناطق واسعة، حتى لو كان الخصم يعتمد في المقابل حرب العصابات كما هو حال مسلحي الجرود، محققاً ما عجزت جيوش أميركا وحلف الناتو عن تحقيقه في جبال أفغانستان المشابهة من حيث التضاريس لجبال القلمون. وذلك إذا ما ربط مع تهديدات حزب الله للعدو الإسرائيلي، بإجتياح الجليل في أي حرب مقبلة، فسيوضح فحوى رسالة حزب الله.
أما استراتيجياً، فإن النتائج التي تم تحقيقها حتى الآن، كافية ليكوّن العدو الإسرائيلي، صورة عن المرحلة القادمة التي ستحمل فشلاً لمشروعه الذي عول عليه كثيراً، بأن يكون القلمون جبهة استنزاف خلفية لحزب الله على الحدود مع لبنان، تبدد قدراته البشرية وتربك تركيزه على الحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلة في حال اندلاع اي حرب،إضافة إلى إمكانية إستثمارها في سياق قطع إمدادات حزب الله القادمة من سوريا. من ناحية أخرى تعلم “إسرائيل” أن إنتصار حزب الله في القلمون والقضاء على ظاهرة مسلحي الجرود، سيسمح للحزب والجيش السوري بالتفرغ لجبهات أخرى، تخطيطاً وعديداً، واحدة منها الجبهة الجنوبية على الحدود السورية الفلسطينية (الجولان)، والتي تحتل المرتبة الثانية على سلم أولويات الحزب بعد القلمون، وبالتالي فإن حلم الحزام الآمن الذي تسعى “إسرائيل” لإنشائه وتأمينه، سيكون الهدف التالي لحزب الله الذي أزاح عن نفسه عبء جبهة القلمون.
وكان حزب الله قد حقق اليوم تقدماً ميدانياً نوعياً، اختتم من خلاله المرحلة الأولى من معركة القلمون، حيث سيطر على ما وصفه المحللون السياسيون بـ”نواة القلمون” ، طلعة موسى، التلة الإستراتيجية الأعلى في القلمون، والتي ترتفع نحو 2600 متر عن سطح البحر، إضافة الى سيطرته على نحو 50 كلم مربع من الجرود المواجهة للحدود اللبنانية، تضمنت مرتفع الخشعات المواجه لجرود نحلة، و تلة عقبة الفسخ الجنوبية الاستراتيجية غرب جرد رأس المعرة، التي تشرف على معابر المسلحين المؤدية إلى جرود عرسال اللبنانية.
وبحسب ما شرحته مصادر عسكرية، فإن تلة موسى، تمثل عقدة وصل كامل جرود القلمون، ستؤمن السيطرة عليها، إشرافاً لحزب الله على كافة تقسيمات الجرود، حيث تكشف قسماً كبيراً من جرود عرسال شمالاً، كذلك تشرف على جرود رأس المعرة وفليطة شرقاً، كما أنها تؤمن مراقبة دقيقة للناحية اللبنانية من الجرود غرباً، ونقطة متقدمة لحماية المناطق التي سيطر عليها جنوباً قبل أيام، إضافة لكونها تسمح بالسيطرة النارية على معظم المعابر الواصلة بين تلك الجرود لا سيما تلك التي يستعملها المسلحون للتنقل من وإلى جرود عرسال.
وقد شرحت مصادر ميدانية تفاصيل الهجوم على التلة، الذي انطلق فجراً من ناحية تلال الباروح والحريق والبستان التي سيطر عليها حزب الله، والذي سبقه قصف تمهيدي كثيف ومركز إستهدف تحصينات المسلحين التي أقيمت على تلك التلة ودمرها، وذلك عبر سلاح المدفعية والهاون إضافة الى الصواريخ الحرارية التي استهدفت دشم المسلحين ومبنى المخابرات الجوية السورية سابقاً، الذي تحصن فيه المسلحون، ثم ما لبث أن شن حزب الله هجوماً كبيراً من عدة محاور نحو قمة التلة، نتج عنه إشتباكات عنيفة إنتهت بفرار المسلحين نحو جرود عرسال بعد انهيار دفاعاتهم ومعنوياتهم لينتهي المشهد ببسط الحزب سيطرته على قمة التلة، محققاً انتصاراً ميدانياً مفاجئاً للتوقعات من حيث حجم الخسائر الذي لا يذكر، إضافة الى سرعة تحقيق الإنجاز الذي سيشكل منطلقاً لإستكمال المرحلة التالية من معركة القلمون.
في سياق متصل، وبعد الإنسحابات الكبيرة لجبهة النصرة نحو جرود عرسال، برز تطور جديد على شكل المعركة الدائرة في القلمون، حيث شهد نهار أمس إشتباكات عنيفة بين جبهة النصرة وداعش في مناطق “عجرم” و “وادي الخيل” و”وادي الزمراني”، في جرود عرسال، إثر خلافات بين الفصائل على مناطق النفوذ والسيطرة في جرود عرسال، وإنشقاقات في صفوفهم، إنتهت بمقتل عدد كبير من المسلحين من الطرفين، وسيطرة جبهة النصرة على معبري “الزمراني وعجرم”، فيما سمعت أصوات الإشتباكات والقصف المتبادل بشكل واضح في بلدة عرسال، التي يخشى أهلها اليوم أن تنتقل المعارك الى بلدتهم بسبب خلافات المسلحين وإقدام بعض المجموعات الفارة من القتال، على اللجوء الى داخل البلدة ومخيمات النازحين فيها.