ستؤذن القدس لقيامة المسيح – خلود حمد الرمح

تغيب عن العين وهجرها شوكة في القلب ، نغمرها بالحنين والقصائد ، ويعزّ علينا ضوء مصابيحها ويوجعنا ليلها الساكن ألماً وعيون السماء الباكية دماً وسحبها التي ترسم نجوم الشهادة في الفلك .
نقف خلف الباب نحاول الإنشاد ، نعزف لحن العودة ، يُطربنا بلبل الشوق نلملم شظايا الصوت ، نستذكر الماضي ، نقلب صفحات التاريخ ، نسافر على متن الذكريات ، فيعبق الحنين إلى أرض البرتقال الحزين.. إلى شاطئ يافا وحيفا.. وأسوار عكا.. ، الى قلم الشهيد غسان كنفاني ، وقصائد محمود درويش ، وريشة ناجي العلي فلم يبق لنا الا بضع كلمات ومرثيات عن وطن غيّبه العداء وأثكله الجراح ، حتى طرابين الصعتر والزيتون والخوابي الفارغات لازالت هناك في تلك الزاوية ، وذاك الشال الذي حكناه من الرموش الساهرات تحت قنديل القمر طار مع تلك الرياح العاتية التي عصفت بنا كعدوان آثم ، أكلوا لحمنا ،نهشوا جلدنا ، هتكوا بلادنا ، واغتصبوا أرضنا …
67 عاما والإسرائيليون يحتفلون باستقلالهم على أنقاض نكبة فلسطين ، هذه الذكرى التي تحمل بطيات سنينها ثنائية الألم والأمل، شعبنا الفلسطيني منذ 1948 وهو يعيش كل يوم نكبة مع هذا الاحتلال في سياسته العنصرية والإجرامية والقمعية والسياسة المستمرة في التوسع الاستيطاني في الضفة؛ لبناء المزيد من البؤر الاستيطانية، بعد ضمها بجدار الفصل العنصري بشكل متسارع وكبير، في ظل حكومات صهيونية يمينية متطرفة، تسعى لاستيعاب وضم أكبر قدر من الأراضي الفلسطينية.
هذه سياسة الاحتلال، وهذه وحشيته التي لا تتوقف في شراستها تجاه الأرض والإنسان.
و للأسف الصقيع العربي الذي يعصف بأمتنا منذ سنين عدّة ،هدفه إلهاء الشعب العربي بالاقتتال الداخلي وابعاده عن القضية المركزية والأساسية ؛ وحرفه عن البوصلة الحقيقية ، لتكون مؤامرة تحاك تجاه قضيتنا العربية الفلسطينية ؛ لإخضاع وتركيع الشعوب والدول العربية الحرة.. رحلوا وبقيت فلسطين ، نور الحب كله ، وملح العروبة ، وأرض الشهداء المقدّسة ومرتع الجهاد ، كهف الحسرات والملمات ، ووجع السنين والأيام على جبينها وشم الخريطة كاملة ، وفي جيدها قلادة ” عائدون ” ..
عائدون ، عائدون ، نعم عائدون الى ديار الزيتون والليمون ، الى عبق السلام والطهارة والأمان.
نحن عائدون أما أنتم فاذهبوا الى اطفال الحجارة تعلّموا منهم ألف باء القومية والعروبة، ومن أطفال غزة تعلّموا مقاييس وحدود الأمة العربية الواحدة ، من ربيع الطفولة في القدس تعلّموا كيف يُنقَذ المسيح من الصّلب مرتين ، ومن طفولة رام الله اكتسبوا معايير الشرف والكبرياء ، وتعلّموا من أطفال يافا وحيفا ورفح وتلّ الربيع أن الرجولة تولد من رحم المقاومة سنظلّ نرتقب الرجوع بكفاحنا ، وسيظلّ شوقنا في ازدياد ، وسنقول للدنيا هنا بوصلة عروبتنا ، هنا منارة قضيتنا ، هنا تمام البدر عشيّة الانتصار ، هنا أرضنا ، هنا عرضنا، هنا فلسطين .
سنعود يوماً وستكتمل حكاية ” فلسطين والبندقية ” ، وسينتهي الصوم وستقرع كنائس القيامة آذان الإفطار وسيرفع الأقصى نداءات القيامة المسيح قام حقاً قام .