عاصفة الخرم وليست عاصفة الحزم – د. حسام الدين خلاصي

إمكانية التواصل الدائم مع الحدث السياسي والعسكري ، مع تسارع الأحداث يدلنا على أن الأمور تسير بسرعة لمستقر لها ، خاصة وإن الفرقاء الدوليين باتوا وعلى المكشوف يمارسون اللعبة التي باتت إقليمية علنا ً بعد أن غادرت الشأن الوطني ، وهذا ما تحدثت عنه وسائل الإعلام الوطني والمقاوم منذ بداية الربيع العربي في تونس ، بأن الأمر أبعد من ربيع عربي طامح للديموقراطية وانتزاع الديكتاتوريات المفترضة وانه يصل في حدوده إلى المؤامرة الدولية التي تساعد فيها أطراف اقليمية تؤجج الصراعات المذهبية والطائفية على حساب الشغل الوطني لتدخل عبر تنظيمات دينية متطرفة مثل الجيش الحر وجبهة النصرة وداعش أخيراً إلى المنطقة لتفرض تلك الإرادات الدولية الغربية على مشروع تقسيم المنطقة بطريقة المنقذ المخلص من الإرهاب الدولي ( داعش ) تماما ً كما حصل في افغانستان والعراق ، ولكن حسابات السوق لم تتطابق مع الصندوق وبالتحديد أمام إرادة الشعب العربي السوري وصمود الجيش العربي السوري أمام هذا المخطط الشيطاني ، وبالتالي كان لابد من ان تنتقل الدول الداعمة عن قرب مثل تركيا وقطر والسعودية من حالة التواري إلى حالة المكاشفة العلنية وذلك بغطاء دولي عبر صمت مجلس الأمن وتشغيل دائم من فرنسا وأرجحة الولايات المتحدة الأمريكية الرابح الوحيد اقتصاديا حتى الآن من الصراع وبدعم مؤسساتي استخباراتي فائق الجودة من قبل الصهيونية المتمثلة في الكيان الاسرائيلي صاحب أهم مصلحة في الصراع .
من هذه المقدمة صار لزاماً على تلك الدول الاقليمية أن تنقل الصراع إلى العتبة الاقليمية خاصة بعد نفاذ صبرها ويأسها من المشهد السوري والذي لعبت الخارجية السورية دوراً بارعاً في التصدي لمشروع مجلس استنبول والائتلاف الفاشلين عبر التمدد مرتين نحو موسكو 1 وموسكو 2 بمساعدة المعارضة الوطنية المراهقة سياسيا والتي تحمل وفد الحكومة السورية مسؤولية تدريجها على طريق المسار الوطني ، ويضاف إلى كذلك الجهد العسكري وتضحيات الشهداء المدنيين والعسكريين في الجيش العربي السوري وقوات الدفاع الوطني المختلفة ، وبالتالي فإن الأحداث التي رسمها صبر السوريين ، وهذا كله يأتي تلمحيات ضرورة الحل السياسي من هنا وهناك إقراراً .
دفع كل ذلك بمملكة التنابل والمراهقين الحربيين الوهابية السعودية ، لأن تشن حربها السافرة على اليمن السعيد لتحول سعادته الحقيقية برسم مسار وطني بعيدا عن سيطرة القاعدة وأمريكا على مضيق باب المندب الذي يقطر شهدا ً وعسلاً إلى ألم وقتل للأبرياء ، لأن المشروع الوهابي الفاشل في سورية ولبنان والعراق سمح للحوثيين الوطنيين بالانتفاض لتغيير القدر الأمريكي المفروض منذ عقود وبات انهزام المشروع الوهابي مقترباً من الانهزام الوشيك ، فحزمت امرها بتسهيل عبر اللوبي الصهيوني الأمريكي باستصدار سماح من الإدارة الأمريكية لدخول اليمن وبمساعدة دول عشرة بعضها اعجب بالريال وبعضها خاف على سلطنته من التهديد بسلاح داعش أو الأخوان المسلمين الذي تمتلك السعودية مقادير تشغيله .
وصارت عاصفة الحزم عاصفة الخرم الذي حشرت نفسها السعودية فيه وعلقت ، فلا الباكستان استجابت ولا تركيا مبدئيا ً ، ومن هنا اتى التلميح والتصريح بتقسيم المملكة كهدف صهيوني بامتياز هذا وضحته الخارجية الإيرانية خوفاً منها على بلاد الحرمين وليس على ملوك بلاد الحرمين ، وهذا يوضح أن التنابل ملوك الوهابية هم من يسعى لتقسيم المملكة تماما ً مثلما فعل صدام حسين في دخوله على الكويت .
لم تكتف مملكة التنابل بهذه الطريقة في الدخول في الخرم بل ضغطت على الحلفاء باكستان ومصر وتركيا وقطر ليشاركوها فما كان منهم إلا إعطاء الوعد بانهم سيرفعون الدعم للمسلحين إلى الأوج في سورية كفرصة أخيرة مع دفق إعلامي معادي يؤازر هذه الهجمة وعلى كافة الجبهات فلربما تنتصر عصابات القتل على الدولة السورية وبالتالي تفشل الدولة وتتوسع دائرة عاصفة الخرم كما لوح منظر وكاتب السعودية الصهيونية جمال خاشخقجي بأن عاصفة الخرم ستصل لسورية .
ومن هنا اشتعلت كل الجبهات بوحشية غير مسبوقة في حلب ودمشق ودرعا ، ولكن ثبات الجيش العربي السوري كعادته يظهر ان هذا السقوط للدولة السورية صار أضغاث احلام ايضا ً هذه المرة .
وبالتالي ستكون مملكة التنابل لوحدها في مستنقع الدم والشعب اليمني سيرد الصاع بصاعين لدهور إلى ان تسقط مملكة آل سعود صاحبة عاصفة الخرم الأخيرة في حياتها ، وسيرسم اليمنيون مسار الأحداث في المنطقة الهامة استراتيجيا وهذا يحسب لمصلحة محور المقاومة كاملا ً ، وستفشل السعودية في جعل الصراع اقليميا ً وستفشل بجذب إيران إلى المعركة عبر اكسابها البعد الطائفي للمعركة بأنها أتت لتحارب المد الإيراني في المنطقة خوفاً على الأمن السني العربي ، ولكن التهديدات الإيرانية الواضحة للسعودية بضرورة مراجعة حساباتها جعل وزير خارجيتها المنتهي صلاحيته ذهنيا يدفع بالقول بان السعودية ليست بصدد الحرب على إيران أو ضدها وإنما هي في اليمن استجابة للشرعية ، ومن هنا وإذا لم ينقلب الموقف الباكستاني لمصلحة التدخل السعودي فإن مملكة التنابل ستجد نفسها في وسط خرم حشرت نفسها فيه سيقودها للهلاك والتلاشي ، وإن ذلك سيخبرنا بأن المعركة الدولية تتوقف عند حدودها الاقليمية التي ستفرز نصراً لمحور المقاومة ولسورية بالتحديد وتلاشياً سريعاً لمملكة التنابل .