المحلية

كفرنا بانتخاباتهم – مليسا مسعد

حينما نقرأ سيرة الأيام التي قطعتها حملة استحقاقات الرابع من شتنبر، لا بد أن نصاب بالدوار بسبب أنها لا تبشر بخير. ولا يرجى منها إقبال الناخبين على صناديق الاقتراع. وهو الرهان الذي يبدو اليوم الأصعب في هذه المحطة، والذي تدركه وزارة الداخلية، التي تتوفر لوحدها على الأرقام الحقيقية لعدد المسجلين في اللوائح الانتخابية. وستتوفر أيضا على أرقام الذين ذهبوا إلى صناديق الاقتراع.

في خطاب الحملات كل مظاهر التيئيس والكفر بالسياسة والسياسيين.

فعبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة ، يصف شباط خصمه السياسي بـ«مجنون فاس». وصلاح الدين مزوار، وزير الخارجية، يقول إن حزبه حزب «الاسود»، ناسيا أن للتجمع الوطني للأحرار رمزا آخر هو الحمامة، وأن شعار الأسد في ملكية حزب آخر.

وحزب التراكتور يقدم نفسه قبل موعد الحسم، على أنه يحتل الصف الأول. وأن كل خصومه فاسدون. أما شباط، فيقول في كل تجمع خطابي، في حق الحكومة والمعارضة على السواء، ما قاله، وما لم يقله مالك في الخمر.

ويجد الناخب المسكين نفسه أمام وضع سوريالي؟ كيف تصبح البرامج الحزبية، سبابا وصراخا وكيلا للتهم في كل اتجاه. ثاني علامات حملة هذه الاستحقاقات، المعول عليها لتحقق للجماعات والجهات تلك القفزة النوعية المنتظرة، هو أن جل الأحزاب السياسية التي دخلت المعركة، استفادت علنا من الترحال السياسي.

ولا غرابة أن تجد مرشحا كان بالأمس في اليمين، ليصبح اليوم يساريا، بل وفي أقصى اليسار أحيانا. بل لا يتردد زعماء أحزابنا وهم يدافعون عن اختياراتهم في القول إننا مع الذي يكسب المقعد أولا. فكل الأحزاب تراهن غدا على التسيير في الجماعة وفي الجهة. ولا أحد مستعد ليقوم بدور المعارضة. لذلك لا بد من البحث عمن يعرف خبايا وأسرار سوق الانتخابات. أما البرامج، فتتشابه. وإن غلب على جلها شعار محاربة الفساد!! وهي صيغة طرحت أكثر من سؤال. كيف يتمنى الجميع أن يحارب الفساد دون أن يحدد من تسبب فيه؟ هل كان يسير الجماعات المحلية الأشباح؟ الجميع يقدم نفسه اليوم ضحية هذا الفساد في مواجهة الجلاد أو الجلادين.

والحقيقة هي أن الناخبين المعول عليهم غدا، فهموا الخلفية. وأدركوا أن رهان المقاعد أعمى الكثيرين. ثالث علامات ما نعيشه اليوم هو أن بعض صفحات الفيسبوك تحولت في رمشة عين إلى لائحة حزبية. أما كيف جمعت شتاتها، وكيف نالت التزكية، فتلك قضية أخرى. في هذه الصفحات الفيسبوكية، والتي أصبحت تتحدث باسم أحزاب بعينها، تكتشف كيف أن الحملة الانتخابية تجرى في العالم الأزرق. وهو عالم غير عالم الانتخابات في المغرب، التي تحددها أشياء أخرى غير النقر. لذلك يجب أن يفهم هؤلاء « الأطفال» الذين اعتقدوا أن تدبير الشأن العام مجرد لعبة يمكن أن تتحقق عن طريق عدد الذين يتصفحون صفحات الفيسبوك، أنهم مخطئون وخارج النص.

أما حينما نجمع اليوم كل هذه الإشارات التي لاشك أن الناخبين التقطوها وهم يتابعون حملة انتخابية باردة نسبيا في الدروب والأزقة، وإن كانت مشتعلة في المهرجانات الخطابية، فلا بد أن نضع الأيدي على القلوب حول مستقبل الجماعة والجهة غدا. مستقبل يفترض أن يبنيه ذوو الكفاأت. أولئك الذين يملكون مؤهلات علمية في مجال التدبير والتسيير وصنع الأفكار، لا هؤلاء الذين يملؤون اليوم جل اللوائح، ضجيجا.

صحيح أن الأخلاق، والنزاهة، والعفة ونظافة اليد، هي شروط أساسية يفترض أن تتوفر في الناخب لكي ينال ثقة المواطن. لكن لا بد أيضا من توفر عنصر الكفاءة والأهلية. وهي صفات لم تنجح الأحزاب السياسية التي وزعت تزكياتها في كل اتجاه، في البحث عنها. كما لم تقم بإعداد مناضليها لكي يقوموا بالمهمة كما يجب. والحصيلة هي أن هذه التجاوزات والأخطاء التي يرتكبها رؤساء الجماعات عن قصد أو بدونه. وهي أخطاء يؤدي ثمنها الغالي ذلك المواطن البسيط الذي ينتظر كهربة، وماء صالحا للشرب، ومستوصفا صحيا، وحجرة دراسية تؤوي أبناءه. بقي فقط أن نذكر، ونحن على بعد أيام من يوم الحسم، أنه بسبب الأساليب المستعملة اليوم في الحملة الانتخابية، قد لا تفاجئنا نسبة التصويت يوم الرابع من شتنبر.

نسبة إذا ما تم الكشف عن حقيقتها دون لف ولا دوران، قد تلخص لنا جميعا حالة السياسة في مغرب اليوم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق