لحدّ هون وبس !

بينما كنت أشاهد بالأمس، كما غيري من اللبنانيين “القرفانين”، منظر أنهر النفايات في الشوارع استذكرت المثل الشعبي المصري “اللي استحوا اختشوا”.
بصراحة ومن دون أن يكون ما قيل وما يقال وما سيقال من باب “فشّة خلق”، نسأل ببساطة السذج: من هو المسؤول عن هذا المشهد “الملحمي”، ومن سنحاسب، ورائحة مَن مِن المسؤولين طلعت، وهل يتحمّل وزير واحد مسؤولية هذه “المسخرة”؟
في حقيقة الأمر، ومن دون مكابرة أو مزايدة، يجب أن نعترف، ولو لمرّة واحدة، أننا جميعاً مسؤولون، كل في موقعه.
إننا مسؤولون لأننا لم نعرف كيف نحاسب الذين يرتكبون المعاصي، وكنا كالغنم، نرضى بكل شيء، ونغضّ الطرف عمن يستبيحون القوانين، ونتغاضى عن الذين يستخدموننا أوراقاً في صناديق الاقتراع، وننسى أننا نعيش في وطن جعلنا منه مزرعة من دون أن ندري.
نحن مسؤولون، ولا أحد غيرنا، أمام لعنة النفايات التي ملأت شوارعنا، وأمام صحّة أطفالنا، وأمام نعمة السماء التي حولّناها في لحظات إلى نقمة.
نحن مسؤولون لأننا نقبع في منازلنا بينما ينزل إلى الشوارع شبّان قرروا عدم التسليم بالواقع، وصمموا على أن يتحركوا بإسمنا جميعاً ويطالبوا علانية بما نكتفي بالمطالبة به بالسّر وفي الصالونات.
ماذا سيقول هولاء المسؤولون لهؤلاء الشباب، الذين قالوا عنهم أنهم مندسّون، وما هي التبريرات التي ستُعطى لهم، وهل يُلامون بعد اليوم إذا قرروا أن يحتلّوا الشوارع بدلاً من أن تحتلّها نفاياتنا؟
المسؤولية عما جرى بالامس مشتركة، وقد تكون مسؤوليتنا أكبر من مسؤولية المسؤولين.
وماذا بعد، وما هو الحلّ لأزمة ستتكرر مع كل “شتوة”؟
بالتأكيد الحلّ لن يكون بالاكتفاء بتناقل مشاهد أنهار الزبالة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وبتأكيد التأكيد لن يكون بكمّ مقالة نكتبها هنا وهناك، ولن يكون ايضاً بلعن الظلام، وهو بالطبع لن يكون هذا الحلّ على أيدي حكومة عاجزة حتى عن الأجتماع لفرض خطّة، ولو مؤقتة، لأزمة الأزمات.
الحلّ الوحيد أن نقول جميعنا: كفى ولحدّ هون وبس، وننتقل من التنظير وانتقاد الحراك المدني إلى ما يحصّن هذا الحراك، عن طريق تأمين دعم شعبي عارم للمطالب المحقّة، وحماية خاصرته مما يتعرّض له من محاولات التشتيت المبرمجة والممنهجة.
وعلى رائحة النفايات يعود المتحاورون إلى طاولة الحوار، وعلى هذه الرائحة سينتهي اجتماعهم كما بدأ. وكل “شتوة” وانتم ونحن على موعد جديد مع كارثة جديدة!