ماذا قال إبن سلمان للمملوك؟ – جمال كامل

راى الكثير من المراقبين ان اهمية هذا اللقاء يكمن في حصوله، بغض النظر عما جرى فيه من كلام بين الرجلين، بعد انقطاع بين بلديهما منذ اكثر من اربع سنوات، بعد ان وقف الجميع وخاصة السعودية، وراء الجماعات التكفيرية بكل انواعها، لاسقاط الحكومة السورية بالقوة ومهما كلف الامر.
اغلب المراقبين رأوا في هذا اللقاء، بداية تغيير على السياسة السعودية ازاء الحرب الدائرة على سوريا، بسبب فشل خيار الحرب، وامتناع مصر عن مسايرة السعودية في موقفها من الازمة السورية، ورفض مصر لفكرة اسقاط الحكومة السورية بالقوة وتعريض سوريا لخطر التقسيم، وكذلك انخراط فرط عقد التحالف السعودي، ورفض مصر مسايرة السعودية في حربها العبثية، وتحالفها مع التكفيريين من امثال “داعش” والقاعدة، الذين اخذوا يزرعون الموت والدمار في مختلف دول المنطقة ومن ضمنها مصر.
رغم ان هناك الكثير من الحقيقة فيما ذهب اليه المراقبون، ولكننا نتناول في مقالنا هذا اللقاء وما جرى فيه من زاوية اخرى، نرصد من خلالها الكيفية التي يفكر بها العقل السعودي في تعامله مع القضايا الاقليمية الخطيرة التي تهدد امن المنطقة ومن ضمنها السعودية نفسها .
لقد تساءل السوريون قبل اربع سنوات، عن الاسباب الحقيقية التي دفعت الرياض الى تسلم قيادة الجهد السياسي والدبلوماسي العسكري والمالي والاعلامي، ضد سوريا والذي اوصل الاوضاع فيها الى ما وصلت اليه اليوم، رغم ان العلاقات كانت جيدة بين الحكومتين السعودية والسورية حينها، الا ان ما نقلته صحيفة “الاخبار” اللبنانية عما جرى من حوار بين الرجلين، كشف في جانب منه عن الاسباب الحقيقية التي تقف وراء التغيير الملفت وغير المتوقع في السياسة السعودية ازاء سوريا.
تنقل “الاخبار” عن مصادرها، والتي تبدو دقيقة جدا الى حد هذه الساعة، ان المسؤول السوري سمع من الامير محمد بن سلمان كلاما، في غاية الاهمية، ويكشف عن العقلية السعودية التقليدية والكيفية التي تنظر الى الاوضاع في المنطقة برمتها، حيث قال أبن سلمان بالحرف الواحد: “ان مشكلتنا معكم هي تحالفكم مع ايران التي نخوض معها صراعا كبيرا على مستوى المنطقة، ورضيتم ان تكونوا جزءا من الحلف الايراني الذي نرى ان له اطماعا في المنطقة تهدد كيانات، ومشيتم في لبنان خلف حزب الله الذي يريد تحويل لبنان الى محمية ايرانية”.
رغم ان المملوك قد اسمع الامير محمد كلاما، كان من المفترض ان يقف امامه إبن سلمان كثيرا لولا وطأة الحقد الاعمى وغير السوي الذي يعتلج في قلوب السعوديين على ايران، فهذا الحقد يستعر فيه مهما كانت الظروف، فهو يستعر حتى لو كانت ايران تسعى الى حل مشاكلها مع العالم عبر الدبلوماسية والحوار كما في الموضوع النووي، فهذا الحقد السعودي الاعمى على ايران هو في كل الحالات، فهو يخالف ويعارض ويعادي ايران، “اذا كانت تسعى الى قنبلة نووية ” كما يدعي الغرب، ويعاديها ايضا “اذا تخلت عن القنبلة النووية ” كما يدعي الغرب، فالسعودية لا مع ايران نووية، ولامع ايران غير نووية، ولا مع ايران تحل مشاكلها مع الاخر بالدبلوماسية والحوار، ولا مع ايران في اي دبلوماسية تتبعها، الامر الذي يؤكد ان الحقد الطائفي والاعمى والمرضي هو الذي يحرك السعودية وليس المنطق ولا السلام والاسلام ولا الجيرة ولا حتى المصلحة.
كيف يعقل ان يقوم بلد ما، لمجرد انه يملك الاموال، بحرق بلد آخر، ويجند لهذه المهمة كل تكفيري العالم وينفق المليارات من اجل تحقيق هذا الهدف، حتى لو هدد ذلك أمن المنطقة والعالم للخطر، لمجرد ان البلد المستهدف يتخذ سياسة لا يحبذها البلد الثري؟!!!.
ويبدو ان الايام المقبلة ستكشف لنا، وعبر مصادر سعودية ايضا، ان مايحصل اليوم من مجازر ومذابح يومية في اليمن، سببها ان قطاعات واسعة من اليمنيين يرون ضرورة اعتماد سياسة مستقلة تتفق والمصلحة اليمنية، دون الارتهان للخارج، وهذا الامر بحد ذاته تحول الى جريمة كبرى من وجهة نظر السعودية، التي اتهمت إثر ذلك الشعب اليمني بانه موال لايران، ولابد ان يعاقب، لهذا هي تحرق اليمن على من فيه، كما تحرق سوريا، وعلينا، والحالة هذه، ان ننتظر تكرار السيناريو السوري في بلدان اخرى في المنطقة، عندما تتجرأ شعوبها على اعتماد سياسة حرة مستقلة بعيدة على الوصاية السعودية القائمة على شراء الذمم والترويج للوهابية المتخلفة.
ان السياسة الطائفية السعودية الحاقدة، والتي لوثت كل مناحي الحياة السياسية في العالمين العربي والاسلامي، وقد كشفت وثائق ويكليكس عما اسمته الهوس السعودي بشان ايران و “الشيعة”، ويبدو ان السياسة الطائفية السعودية كانت من افضل الهدايا التي قدمها النظام السعودي للكيان الصهيوني الغاصب، فهذه السياسة تعني ان تكره وتناصب حزب الله وحماس والجهاد الاسلامي والحكومة السورية والحكومة العراقية وحركة انصار الله، واي حزب او حكومة تعادي “اسرائيل” العداء، لذلك استغل دهاقنة الصهيونية هذا الغباء الطائفي السعودي، عندما اخذوا يروجون ليل نهار لعبارة “حلفاء اسرائيل من العرب السنة”، كما اعلن عن ذلك مرارا دوري غولد، مستشار رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتياهو، آخرها في مداخلة له امام مؤتمر نظمته منظمة رؤوساء المنظمات اليهودية الرئيسية في نيويورك، وقال فيها “امامنا نظام يحاول السيطرة على الشرق الاوسط (ايران)، وهذا ليس ما تقوله اسرائيل وانما جيراننا العرب السنة، وانا استخدم تعبيرا جديدا وهو ان حلفاءنا العرب هم الذين يقولون ذلك”.