هل جهز عماد مغنية سيارة الاستشهادي أحمد قصير ؟

قرابةَ الساعةِ السابعةِ من صباحِ يومِ الخميسِ الحادي عشرَ من شهرِ تشرينَ الثاني/نوفمبر 1982، سيارةٌ ملغومةٌ من نوعِ بيجو 504 بيضاءُ اللونِ يقودُها سائقٌ استشهاديٌ تندفعُ مسرعةً باتجاهِ مقرِ الحاكمِ العسكري الإسرائيلي الجنرال “فيلغ” الكائنِ في بنايةِ عزمي بمحلةِ جلِ البحرِ في صور. لحظاتٌ ويدّوي انفجارٌ هائلٌ بالمبنى المؤلفِ من ثماني طبقاتٍ فيسويهِ بالأرض.
كان المبنى يضم مكاتبَ للاستخباراتِ والشرطةِ العسكريةِ وقواتِ “حرسِ الحدود” وسلاحَي الإشارةِ والهندسة، وقواتِ المظليينَ وقواتِ “غولاني” للمُهماتِ الخاصة، بالإضافةِ إلى مكاتبِ القائدِ الإسرائيلي ومساعديه.
ما إنِ انجلى غبارُ ودخانُ الانفجارِ الضخم، حتى تكشفت الكارثةُ التي حلّت بالجيشِ الإسرائيلي: عشراتٌ من الضباطِ والجنودِ والاستخباراتِ تناثروا أشلاء. هولُ الصدمةِ دفعَ قيادةَ العدوِ في البدايةِ إلى انكارِ حقيقةِ ما حصل، فأَعلنت أن تسرباً للغازِ أدى إلى انهيارِ المبنى، ولكنْ بعدَ ساعات، أعلنت قيادةُ العدوِ أنَ عبوّاتٍ ناسفةً شديدةَ الانفجارِ زُرعت تحتَ أعمدةِ المبنى أدت إلى تدميرِه وأنه عملٌ “محترفٌ جداً جداً”.
الناطقُ العسكريُ الإسرائيليُ اعترفَ بمقتلِ 74 ضابطاً وجندياً بمن فيهم الحاكمُ العسكريُ نفسُه واعتَبر أنَ 27 منهم في عدادِ المفقودين.
بعدَ بضعةِ أيامٍ أجمعت الأنباءُ على أنَ المحصَّلةَ كانت 141 قتيلاً و10 في عدادِ المفقودين، في حين ذكرت صحيفةُ “عل همشمار” الإسرائيليةُ أنَ عددَ القتلى بلغَ 370 أما صحيفةُ هآرتس فقالت إنَ العددَ وصلَ إلى 400 قتيل.
الحكومةُ الإسرائيليةُ أعلنت الحِدادَ في الخامس عشر من حزيران/يونيو، فيما عاينَ وزيرُ الدفاعِ الإسرائيليي آنذاك آرييل شارون مكانَ العمليةِ واصفاً ما حصلَ بأنه مجزرة، بالتزامنِ معَ صدورِ أولى المطالباتِ الشعبيةِ الإسرائيليةِ بإعادةِ الجنودِ إلى البيتِ وإقامةِ ترتيباتٍ أمنيةٍ معَ لبنان.
القيادةُ الإسرائيليةُ صُدمت بما حصلَ وعمَّ الإرباكُ الكيانَ برُمتِه، وكانَ الباعثَ على ذلك عَظِمُ المفاجأةِ وحجمُ الخسائرِ الكبيرةِ في ضربةٍ واحدةٍ إضافةً إلى الغموضِ الذي رافقَ طريقةَ التنفيذِ والجهةِ المسؤولةِ عن العملية.
بعد ساعات من العملية أعلنت منظمةٌ أَطلقت على نفسِها اسمْ “الكفاحُ المسلح” مسؤوليتَها عن التنفيذِ بواسطةٍ سيارةٍ مفخخةٍ. ووُزع بيانٌ باسمِ “منظمةِ الجهادِ الإسلامي لتحريرِ جبلِ عامل” تبنت التفجيرَ بواسطةِ تسللِ مجموعةٍ متخفيةٍ بلباسٍ عسكريٍ إلى داخلِ المبنى وزرعِ قنابلَ موقوتةٍ في الملجأِ حيثُ مستودعُ الذخيرة.
لم يعلن حزبُ الله مسؤوليتَه عن العملية ولا عن أسلوبِ تنفيذِها أو اسمِ الاستشهادي الذي قامَ بها إلاّ بعدَ مرورِ ثلاثِ سنواتٍ وانسحابِ جيشِ الاحتلالِ الإسرائيلي من منطقةِ صور وذلك لأسباب أمنية، فأصدرَ بياناً في التاسعِ من أيارَ/مايو 1985 أعلن فيه مسؤوليةَ المقاومةِ الإسلاميةِ عن “عمليةِ خيبر” الاستشهاديةِ مشيرا الى ان ” عملية خيبر أرعبت العدوَ وخلخلت موازينَه العسكريةَ وشكّلت فتحاً تاريخياً في ميزانِ الصراعِ الإسلامي ضدَ الصهاينة”، وأن “بطلَ العمليةِ المظفرةِ هو الشابُّ أحمد جعفر قصير (حيدر) من مواليدِ عامِ 1963 من بلدةِ دير قانون النهر – قضاءِ صور – جنوبِ لبنان”، متخذاً من ذكرى تاريخِ شهادتِه يوماً لشهيدِ حزبِ الله.
يُحكى أن عماد مغنية ، القائد العسكري السابق لحزب الله، هو من أشرف وجهز للعملية، كما ان تعاطي المقاومة معها اعلاميا يحمل بصماته.