الحرب على داعش.. أم الحرب بداعش؟

المنار : د. حسن احمد حسن
باختصار شديد واستناداً إلى معطيات الواقع الميدانية والسياسية يمكن القول: إن داعش بحلتها الجديدة هي الذراع الطولى للمارينز الأمريكي الراعي الرسمي لمصالح المجمع الصناعي العسكري الأمريكي، وما يضطلع به هذا المجمع من دور رئيس في مفاصل صنع القرار الأمريكي، والإرهاب الداعشي الذي عانى منه السوريون والعراقيون وغيرهم هو البديل الموضوعي لسلاح المدفعية والصواريخ المكلف بتنفيذ الرمايات التمهيدية قبل تقدم المارينز على الأرض أو في السماء،أي أن الهدف الرئيس من تصاعد إرهاب داعش في الفترة الأخيرة وتوثيق ذلك وبثه على شبكات التواصل الاجتماعي هو تهيئة البيئة الاستراتيجية الضرورية لتسويغ عودة واشنطن إلى المنطقة عسكرياً، وبعد أن ضمنت إمكانية العودة تريد توريط الآخرين وإرغامهم على دفع نفقات استمرار سيطرتها على مقدرات المنطقة والحيلولة ـ إن أمكن ـ دون تبلور انتصار محور المقاومة على معسكر التآمر والعدوان، وإلا كيف يمكن فهم حديث أوباما عن إستراتيجيته في محاربة داعش واعترافه بأن ما يمكن فعله لا يتجاوز إضعاف داعش دون القضاء عليه، وحتى هذا الأمر سيستغرق ما لا يقل عن ثلاث سنوات، وهذه بشارة استباقية باستمرار شلال دماء أبناء المنطقة، واستنزاف ما أمكن من قدرات الدولة السورية التي أثبتت كفاءة غير مسبوقة في محاربة الإرهاب وتقويض روافعه وقواعده التي أقيمت بمباركة صهيو ـ أمريكية، فمن يريد القضاء على الإرهاب تنفيذاً لما تضمنه قرار مجلس الأمن “2170” لا يعتمد مكاييل متعددة في مكافحته، لأن الإرهاب لا يكون بالمسميات بل بالأفعال والجرائم والمجازر التي يتم ارتكابها، والقرار الدولي ينص على محاربة داعش والنصرة وغيرهما من التنظيمات الإرهابية، فلماذا تريد واشنطن حصر الأرهاب بداعش؟ وكيف يمكن فهم غض البصر عما ترتكبه يومياً جبهة النصرة وغيرها من التنظيمات والعصابات الإرهابية المأجورة من جرائم يندى لها جبين الإنسانية، بما في ذلك اختطاف العشرات من قوات الطوارئ الدولية “الأندوف” في منطقة فصل القوات في القنيطرة، وهنا لابد من الإشارة إلى أن إطلاق سراح الموظفين الدوليين لم يتم إلا بعد التنسيق مع مشيخة الإرهاب في قطر، وهذا يعني أن من أمر بإطلاق سراح المختطفين هو من أعطى الأمر باختطافهم، وليست هذه المرة الأولى التي تحتجز فيها العصابات الإرهابية موظفي الأمم المتحدة، كما سبق وأن اختطفت الراهبات في معلولا وبعض الحجاج المدنيين اللبنانيين العائدين من العراق، وفي كل مرة كان يتم التفاوض مع قطر لإطلاق سراح المخطوفين، كما يتم الآن الحديث عن مساعٍ لإطلاق الجنود اللبنانيين عبر وساطة قطرية، والغريب أن إطلاق سراح موظفي الأندوف مر مرور الكرام، وكأن جهة ما كانت وراء عدم تسليط الأضواء الإعلامية بما يتناسب وحجم الجريمة المرتكبة على هذا الحدث بالرغم من أهمية دلالاته، والغاية مفضوحة وهي التستر على من يدعم الإرهاب ويمارسه سراً وعلانية، وهذه جريمة ضد المنظمة الدولية التي التزمت الصمت، فلو كانت المنظمة الدولية حريصة فعلاً على هيبتها وعلى تطبيق القانون الدولي لكانت طالبت بإحالة حكام قطر والكيان الصهيوني إلى محكمة الجنايات الدولية لأنهم يقدمون الدعم بكل أشكاله للعصابات الإرهابية المسلحة التي ما كان باستطاعتها ارتكاب الجرائم والحماقات الإرهابية لولا التنسيق والدعم المباشر من قبل تل أبيب والدوحة، فأي إرهاب يريد أوباما وزبانيته القضاء عليه وهم يغضون البصر عن إرهاب طال موظفي المنظمة الدولية ذاتها؟
إن طرح استراتيجية الرئيس الأمريكي لمواجهة داعش وتصديق الكونغرس الأمريكي عليها يثير الكثير من التساؤلات وعلامات الاستفهام، ويخطئ من يظن أن واشنطن جادة في مكافحة الإرهاب لسبب بسيط يتلخص في أن الإرهاب صناعة الاستخبارات الأمريكية، ولدى واشنطن براءة اختراع حصرية في تسويق الإرهاب وادعاء محاربته، وبغض النظر عن مدى قدرة إدارة أوباما على تحمل تداعيات اشتعال منطقة الشرق الأوسط عبر العربدة غير المسبوقة والتشدق بالإصرار على انتهاك سيادة دول مستقلة بذريعة مكافحة الإرهاب فإن التحليل الموضوعي لتداعيات الأحداث يؤكد أنه من غير الحكمة الاطمئنان إلى أن أصحاب الرؤوس الحامية في دوائر صنع القرار الأمريكي تدرك حجم التكلفة المترتبة على إشعال المنطقة، وبالتالي لن تقدم على ارتكاب حماقة أو مقامرة غير محسوبة النتائج، كما أن منطلقات التحليل الاستراتيجي لا تستبعد أن يكون هذا التهويل الإعلامي جزء من حرب نفسية ممنهجة تستهدف التأثير على الروح المعنوية للسوريين مدنيين وعسكريين، وفي الوقت نفسه تعمل على رفع الروح المعنوية للعصابات الإرهابية المسلحة التي تنهار أمام تقدم الجيش العربي السوري وإنجازاته النوعية المتسارعة بوتائر فاقت قدرة مشغلي العصابات الإرهابية المأجورة على التعامل مع تداعيات التآكل النوعي في الجسد الإرهابي المكرس لتفتيت سورية والعاجز عن تنفيذ ما أسند إليه من مهام ميدانية، وفي جميع الأحوال لن يكون نصيب المتورطين في هذه المعركة الجديدة في الحرب المفتوحة بأفضل من حظوظ من سحقوا في المعارك السابقة، والأسابيع القليلة القادمة كفيلة باتضاح حقائق جديدة وتبلور تداعيات ونتائج تسحب البساط من تحت أقدام المستبشرين خيراً بهذا التدخل الأمريكي الجديد الذي لن يسفر إلا عن تحول الخسائر التكتيكية والعملياتية التي تمنى بها سياسة أوباما إلى خسائر استراتيجية تغير قواعد الاشتباك على المستويين الإقليمي والدولي، وبما لا يرضي واشنطن ولا حلفاءها وأزلامها وأدواتها التنفيذية التي فقدت بريقها بعد انتهاء صلاحية استخدامها في ميادين المواجهة المفتوحة.