تقارير

السعودية وسياسة الأنتحار في الشرق الاوسط

ظن بعض المحللين و المراقبين ،أن تصريحات وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في موسكو، خلال زيارته الأخيرة لروسيا، والتي قال فيها، إن الرئيس بشار الأسد لابد أن يرحل أما بالحل السياسي او بالوسائل العسكرية.

ووصف الجبير ، الرئيس السوري بشار الاسد بانه جزء من المشكلة وليس جزءاً من الحل بحسب زعمه، فرد عليه وزير الخارجية الروسي لافروف، ان الشعب السوري وحده المخول بتحديد مصير الرئيس الأسد، ولا يحق لأحد أياً كان غيره في ذلك.. نقول ظن بعض المحللين والمراقبين ان هذه التصريحات عابرة، وللاستهلاك الاعلامي، غير ان المتابع للاعلام السعودي يجد ثمة تأكيد واصرار على المواقف التي أعلنها الجبير في موسكو إزاء الأزمة السورية فصحيفة الوطن السعودية نشرت مقالا يوم 15-8 عن الازمة السورية  والمحاولات الدبلوماسية، قالت فيه ان تمسك روسيا بالأسد على راس الحكم لن يسهم الا في تمديد عمر الأزمة إلى أجل غير مسمى، وهذا ما يدركه الجميع و يرفض الروس الإعتراف به، ورحيل الأسد سواء بشكل مباشر أو بشكل مرحلي متسارع كان ومازال مسألة حتمية لانهاء الأزمة.. بحسب زعم الصحيفة التي تنتقد في مقالها الرئيس الروسي بشكل غير مباشر، وتدعي أنه من المنطقي رفض المعارضه السورية بقاء الأسد على رأس الحكم!!

وفي نفس اليوم الذي نشرت فيه صحيفة الوطن السعودية مقالها الانف، كتب المقرب من البلاط السعودي الكاتب جمال خاشقجي مقالاً في هذا الاتجاه تحت عنوان أيهما أولا، داعش أم بشار.

جاء فيه إن قتال النظام السوري اولى من قتال داعش واضاف ان موقف السعودية من بشار لم يتغير وانه سبب المأساة ولابد أن يرحل على حد قوله  وعلق جمال على الاجواء والمناخات الاعلامية الاخيرة التي تحدثت عن تغيير في الموقف السعودي حيال نظام بشار الأسد، وانها باتت مستعدة للقبول به، حسم وزير الخارجية عادل الجبير الأمر، مرة في برلين، وأخرى في موسكو، وخلال أيام سريعة متتالية، مؤكداً أن الرياض لا ترى لبشار  دور في المستقبل ولا حتى في حكومة انتقالية.

والمعروف عن خاشقجي انه يمرر ما يريد النظام السعودي قوله، أو ايصاله الى الاطراف المعنية، وهنا المقصود بهذه الرسالة القيادتين الروسية والإيرانية، على إن الاصرار السعودي على الموقف المتشدد في الازمة السورية، ثم تصريحات الجبير، كل ذلك يؤشر إلى تراجع سعودي عن تفاهمات وزير الدفاع وولي ولي العهد محمد بن سلمان مع الروس،والتي توصل اليها في زيارته الأخيرة لموسكو اي قبل زيارة الجبير لها، وحينها قيل أن بن سلمان اتفق مع الروسي على الحل السلمي في سوريا بوجود بشار الأسد، وعلى أثر تلك  التفاهمات استقبل بن سلمان رئيس المخابرات السورية القوي علي مملوك في جدة وبحضور رئيس الاستخبارات العامة، وهو لقاء اعترفت به الاوساط السعودية في ما بعد،فهل تمرد الجبير على رئيسه!؟

بدون شك ان تصريحات الجبير في موسكو وما تلاها من تأكيدات الاوساط الاعلامية والسياسية القريبة من البلاط السعودي .. شكل ضربة واهانة كبيرة لبن سلمان ولتفاهماته مع الروس، لان المواقف التي اعلنها الجبير كما أشرنا في بداية هذه السطور نسفت كل ما توصل اليه بن سلمان مع الروس، ووجهت ضربة لمكانته في الاسرة الحاكمة، ثم لمصداقيته و مصداقية النظام السعودي إذا كان يتمتع بشيء من المصداقية ما يعني ان الاتفاقات التي أبرمها مع الفرنسيين و المصريين في زيارته التالية بعد زيارته لموسكو، اصبحت في مهب الريح ولكن هل يسمح بن سلمان بهذه الاهانة من قبل شخص مثل عادل الجبير الذي كان خادماً لآل سعود طيلة وجوده كسفير وكممثل لهم في الأمم المتحدة وفي أميركا!؟

لا اعتقد أن الجبير يتجاوز ارباب نعمته ويتطاول عليهم بهذه الإهانة، ولذلك أرى ان الجبير جاءته أوامر من آل سعود لاعلان هذا التراجع، ما يؤكد ذلك، ان وسائل الاعلام السعودية الرسمية ظلت تؤكد على هذا التراجع حتى الآن، وهنا يطرح السؤال التالي، لماذا تراجع آل سعود عن ما سبق وأعلنه محمد بن سلمان للروس خلال زيارته لموسكو؟

المراقبون والمحللون طرحوا عدة احتمالات لهذا التراجع نذكر منها ما يلي:

1 ـ ان الاختراقات التي حققتها السعودية في اليمن بالتعاون مع الامارات، وبواسطة مساعدات النظام المصري، حيث دفع بالالاف من الجيش المصري بعد انضمام المئات لهم في الجيش الاماراتي، دفع بهم الى عدن بعدما زودتهم الامارات والسعودية بالاسلحة المتطورة والمعدات الثقيلة فاوجدوا للنظام السعودي موطئ قدم في العاصمة الإقتصادية لليمن، وفي لحج وابين وشبوه، ورغم ان هذا الاختراق لا يشكل انتصاراً محتماً بالحسابات العسكرية لانه جاء بعد خمسة أشهر تقريباً من التدمير والقصف وفي المعارك الضارية مع انصارالله والجيش اليمني، ولأن الاوضاع الميدانية لحد الآن لم تستقر لصالح جماعات النظام السعودي، فما زالت كراً وفراً.. نقول رغم ذلك إلا أن النظام السعودي واعوانه ضخم  حجم هذا الاختراق واعتبره انتصاراً كبيراً، يمكن أن يكون قد شجعه لتكراره في المشهد السوري، ولعل ذلك يرجحه ما قال الجبير في موسكو، ان على الرئيس السوري أن يرحل اما بالحل السلمي او بالوسائل العسكرية، فهذا البوق يعبر عن ما يدور في اذهان آل سعود.

اصحاب هذا الرأي يقولون ايضاً ان هذا التصور الذي بات يحمله آل سعود شجعهم على التوافق مع الرئيس التركي، للتحرك معاً ضمن توجه جديد يستند الى التصعيد والتنسيق والدعم السعودي للاتراك، وهو ما ترجم في تحريك الجيش التركي نحو الحدود التركية السورية، واعلان اردوغان الحرب على حزب العمال الكردستاني التركي، وداعش، وفي الحقيقة ان الحرب على داعش كانت وما زالت غطاءا للحرب على الاكراد، فداعش دعمت وكبرت بمساعدة ودعم اردوغان ومخابراته، اوردوغان اعلن في حينها انه اتفق مع الامريكان على اقامة منطقة عازلة في الاراضي السورية تمتد لعمق 50كم داخل الاراضي السورية وعلى هذا الاساس بدأ جيشه عملياته العسكرية ضد الاكراد في سوريا وداخل تركيا، مدعومة بالقصف الجوي، غير أن الامريكان اعلنوا اكثر من مرة انهم لم يتفقوا مع اوردوغان على اقامة منطقة آمنة في سوريا انما الاتفاق على محاربة داعش، على أي حال، الخطة السعودية التركية والاسرائيلية ايضاً تقتضي بتحرك الاتراك بدعم سعودي اسرائيلي لاقامة منطقة آمنة تصبح منطلقاً للجماعات التكفيرية المدعومة من تركيا والسعودية بعد تزويدها بالاسلحة المتطورة والثقيلة، والزحف بها نحو حلب والسيطرة على ما تبقى من هذه المدينة تحت سيطرة الحكومة السورية ومن ثم محاصرة دمشق تمهيداً لاسقاط النظام او فرض تسوية او حل بشروط تركيا والسعودية، وما يعزز هذه الرؤية ان ادوات السعودية في التكفيريين داخل سوريا كثفوا من عملياتهم العسكرية وهجماتهم على الجيش السوري واللجان الشعبية بشكل لافت تزامناً مع التحرك العسكري التركي الاخير.

2 ـ قال بعض المحللين، ان هذا التراجع سببه الأنقسام بين اجنحة النظام السعودي، ومعنى ذلك، ان الجبير يدعمه جناح من الامراء أقوى من جناح بن سلمان، وهذا غير معقول، لو كان الأمر كذلك، لاستطاع هذا الجناح تحجيم بن سلمان ولوقف حجر عثرة أمام تحركاته الدبلوماسية والسياسية وبروزه الفاقع في المحافل السياسية والدولية، ما يعني ان هذا التحليل ضعيف ولا انكر  شخصيا وجود انقسامات كبيرة وشروخ ايضاً باتت تهدد تماسك العائلة السعودية، يمكن أن تفجر صراعات دامية وقاسية جداً بين اجنحتها ، بسبب الاختلافات على السلطة، ويعتبر بن سلمان، وبن نايف متجاوزين على حقوق الآخرين، أو من هو احق منهم.

3 – انا اميل إلى هذا الرأي القائل بان الصهاينة أمروا آل سعود بالتراجع عن هذه المواقف الجديدة بالموافقة على انهاء الازمة السورية ببقاء النظام السوري، لان ذلك يعني بنظر الصهاينة تأهيل النظام السوري وبالتالي تقوية سوريا خاصة، ومحور المقاومة عامة، وبشكل أقوى من السابق، ما يعني مضاعفة الخطر على أمن ووجود الكيان الصهيوني، ثم ان ذلك يتعارض ومخطط الكيان الصهيوني للمنطقة المدعوم اميركياً وغربياً والقائم على اساس استمرار الصراعات في تلك المنظقة خصوصاً في سوريا والعراق ومصر واليمن، من اجل استنزاف قدرات الشعوب وتدمير كل ما بنته وصولاً إلى تمزيقها وتجزئة أوطانها.. وما يرجح هذا التحليل هو ان موقع ديبكا الذي تشرف عليه المخابرات الاسرائيلية الموساد بصورة مباشرة، كان قد حذر آل سعود من التغيير في مواقفهم ازاء الرئيس السوري بشار الاسد، بل ومهدداً اياهم حيث قال “ان واشنطن وموسكو وطهران، تشهد منذ حوالي الشهر،تحركاً سرياً، تشارك فيه مسقط ودمشق بهدف التفاهم على تسوية تضمن بقاء الرئيس بشار الأسد في السلطة ..واضاف الموقع.. ان هذا التحرك ينصب على توحيد القوى والجهود من اجل محاربة تنظيم داعش في سوريا، وما تتضمنه المبادرة قيام السعودية والدول الخليجية، وبخاصة قطر والامارات العربية المتحدة بوقف تاييدهما للمعارضة السورية المسلحة، وتعهد الجيش السوري بعدم مهاجمتهم وموافقة المعارضة على وقف هجماتها على الجيش او اي قوات عسكرية أخرى متواجدة في سوريا مثل قوات حزب الله …..” وانتهى الموقع الى التحذير بالقول ان “اسرائيل” والاردن، لم يكونا جزءاً من هذه الخطوة، ولم يشاركا فيها، ولكن في حال تراجعت السعودية عن رفضها الحديث مع الاسد فهذا يعني التنسيق السعودي الاسرائيلي الاردني حيال جنوب سوريا سينهار و عندها ستجد اسرائيل والاردن نفسيهما امام وضع جديد في سوريا…

 وطبقاً لما يقوله الكاتب اللبناني غالب قنديل الذي نقل ما جاء في موقع ديبكا في مقالته المنشورة في صحيفة البناء يوم 10/آب/2015 إن ثمة رسالتين للموقع، اولها للحكم في الاردن ان لا يتجرأ او يفكر بفك الارتباط مع اسرائيل تجاه خططهما في جنوب سوريا، والرسالة الثانية الاشد قوة للنظام السعودي ومضمونها أن لم تفكروا ملياً قبل القبول بالانخراط في المساعي الاميركية الروسية ضعوا في حسابكم انكم لن تتمكنوا من أخذ الاردن معكم وبالتالي لن تتمكنوا من الزامنا بما تقررون وستفقدون مصداقيتكم تجاه التزاماتكم.. على أن اغلب الخبراء والمحللين يؤكدون على أنه اذا ظل آل سعود مطية الاجندات الاسرائيلية والاميركية فأنهم سينتهون لا محالة الى حرق بلادهم والى ضياع ملكهم، فهل يرعوون؟

الكاتب والمحلل السياسي السعودي عبدالعزيز المكي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق