تقارير

داعش النشأة والجذور ” الجزء الأول ” – الضاد برس

إن ظهور التیار الداعشي في منطقة الشرق الأوسط في الأشهر القلیلة الماضیة وتحوله إلی أقوی نقاش سیاسي وعسکري في المنطقة والعالم ، استرعی انتباه المحللین السیاسیین والأمنیین نحو الأبعاد الجئوسیاسیة والعسکریة ، وحملهم علی أنواع التحلیلات والمواقف تجاه منشأ هذا التیار الأصولي والعنیف . فهناک من یعتبر أن منشأ هذا التیار من الناحیة السیاسیة یعود إلی بلدان مثل المملکة العربیة السعودیة وقطر ، والبعض الآخر یری أنه ولید برنامج فتنوي صممته القوی الغربیة (الولایات المتحدة الأمیرکیة وبریطانیا) ، أو هو مؤامرة حاکها الکیان الصهیوني لتغییر النظام الجئوسیاسي في الشرق الأوسط .

ولهذا السبب ، یری هذا النوع من المحللین والمنظرین أن هذا التیار لا جذور له ویمکن اجتثاثه وحذفه عبر عملیة سریعة وشاملة ؛ لکنّ نجاح تنظیم داعش في التوسع في العراق وإظهار القوة في سوريا ، الاعتداءات المتكررة والبشعة في قتل الأسری وإبادة الأقلیات بلا هوادة مثل الايزيديین في العراق بهدف الإبادة الجماعية ، وأهم من هذا کله انضمام الشباب إلی هذا التیار من بلدان أخرى بما في ذلك الدول الغربية في هذه الأثناء ، قد جعل هذه التحلیلات والفرضیات تتلاشی إلی حد ما ، وفي النتیجة اتجهت الأفکار نحو بعد آخر من هذه القضیة ، أي معرفة الجذور الفکریة والتاریخیة له .

یسعى هذا المقال إلى تحليل الجذور الفكرية والتاريخية لهذا التيار الناشئ ، وبالطبع الرهيب والخطر ، الذي لا یهدد الأمن الإقليمي فحسب بل الأمن والسلام في العالم كله ، وذلك من خلال الاستفادة من التاريخ والوثائق التاريخية .

نمو تیار “داعش” التكفيري في حضن “الوهابية”

اليوم تعتبر الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) كالتیار الأعنف في تاريخ الحركات الإسلامية ، والذي بني علی أساس تفکیر سلفي جهادي تكفيري بقيادة أبي مصعب الزرقاوي الذي یعدّ الأب الروحي والمهني لهذا التيار الذي فاق المنظمة التي ولد منها (تنظيم القاعدة) في العنف والتطرف .

قوة هذا التنظیم قبل أن يكون لها أساس أيديولوجي ، مبني علی الاستقطاب الطائفي والانتماء العرقي . ویعرف هذا التيار بين السنة بتیار یستخدم وسائل العنف والإرهاب لتحقيق أهدافه .

بداية صعود داعش

أقرب تاريخ لظهور هذا التيار يعود إلى عام ٢٠٠٣ حیث بایع المواطن الأردني أبو مصعب الزرقاوي مؤسس “الجماعة التوحيد والجهاد” في العراق ، زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن.

کان تنظيم القاعدة في بلاد الرافدین (نهري الدجلة والفرات) كفرع لتنظيم القاعدة في العراق ، تحت قيادة الزرقاوي ، وهو یعتبر الشرارة الأولى لتشکیل تنظیم ما یسمى “داعش” .

کانت هذه المجموعة تحاول أن تجمع أتباعها من بین أهل السنة في العراق والدول الإسلامية الأخرى . وفي عام ٢٠٠٦ ، جمع الزرقاوي الجماعات الإسلامية المتشددة المسلحة تحت منظمة واحدة تدعی “مجلس شورى المجاهدين” بزعامة أبي عمر عبد الله رشيد البغدادي ، ولكن هذا الشوری لم یدم أكثر من عشرة أشهر، حیث تم حله بعد مقتل الزرقاوي وانضم إلى جماعة أخرى بقيادة أبي حمزة المهاجر الذي كان رئيس تنظيم القاعدة في العراق . لم یبایع أبو عمر البغدادي أبا حمزة المهاجر لیؤسس “الدولة الإسلامية في العراق”. وفي عام ٢٠١٠ قتل أبو عمر البغدادي أیضاً لیصبح أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم الجديد کخليفته له .

مع بداية الأزمة في سوريا في عام ٢٠١١، وفر هذا التنظیم أرضیة وساحة جدیدة لإطالة حياته بهدف شن حرب مقدسة ضد النظام السوري.

في عام ٢٠١٢ ، بدأ هذا التنظیم محاربة الجماعات الجهادية الأخرى وخاصة “جبهة النصرة” وذلك لتوسیع رقعة نفوذه في منطقة الشام (سوريا) ، إلی أن تراجع زعيم هذا التنظيم عن بیعته مع القاعدة . وفي عام ٢٠١٣، أعلن البغدادي ولادة “الدولة الإسلامية في العراق والشام ، والذي یدعی باختصار “داعش” .

وعلى الرغم من تصنیف هذه المجموعات من حیث الأيديولوجيات المتطرفة ، اتهم “جبهة النصرة” مقاتلي “داعش” بأنهم یتشددون کثیراً في تطبيق أحکام الشريعة الإسلامیة . وهذه الاختلافات الأيديولوجية بالطبع ، قد تسببت في اشتباكات دامية بينهما .

تنظیم داعش قد ازداد کثیراً بحیث قادهم إلی الاشتباك مع حلفاءهم مثل “الجيش السوري الحر” أیضاً والذي کان یقاتل ضد نظام الرئيس بشار الأسد . اشتباكات اتهم فيها تنظیم داعش الجيش السوري الحر ، بالكفر والردة عن الإسلام .

الأساس الفكري لتنظیم داعش التكفيري الجهادي

إذا كنا نريد أن نجد البذور الأولى لظهور هذا التيار الفکري السلفي الجهادي في تاريخ الإسلام ، فيجب أن نذهب إلی أول خلاف ظهر في فجر الإسلام ، بین الإمام علي بن أبي طالب (ع) ومعاوية بن أبي سفيان بعد قضیة التحکیم حیث نتيجة لذلك ، انتهت فترة الخلافة وتأسس أول نظام سلطاني قائم علی الوراثة في منتصف القرن الأول الميلادي بواسطة معاویة . و من النتائج الأخری للحدث المذکور ، كان ظهور جماعة معارضة للتحكيم باسم “الخوارج”. فإذا اعتبرنا مجموعة الخوارج أول تیار فکري متطرف ومتعصب في تاريخ الإسلام ، فیجب أن نعرف أن فکرهم کان نابعاً من اتخاذ موقف سياسي معارض لحادثة التحکیم التي نشأت بسبب تجنب النزاع بين علي (ع) ومعاوية .

وصل الخوارج في تطرفهم إلی تكفير زعيمهم الديني الإمام علي (ع) ، ولكن من ناحية أخرى لم یدخلوا تحت حكم معاوية بن أبي سفيان أیضاً ، وبنوا سنة کانت الثورة ضد الطغيان والفجور فريضة فیها . من وجهة نظر هذه المجموعة ، أئمة الكفر هم أولئك الذين قد برروا قضیة التحکیم وقبلوها لسبب ما ، أو الذین أعلنوا برائتهم منها .

هذا النوع من التيار الفكري التكفيري في ذلك الوقت ، وصل إلى نقطة أدت إلی مسلك فقهي . ظهر هذا التیار المذکور بشکل جلي في المذهب الفکري لأحمد بن حنبل (٧٨٠-٨٥٥ م)، أحد أربعة الفقهاء الکبار لدی أهل السنة والجماعة ، ومؤسس المذهب الحنبلي . یرتبط المذهب الحنبلي من بين المذاهب السنية الأربعة ، بنسبة كبيرة بالأفكار المحافظة حيث الاعتماد على النص، وتجنب التفسير والاجتهاد یظهر فیه أكثر وضوحاً ، وهو یعد الركيزة الأساسية للفكر التكفيري . هذا في حین أن مؤسس هذا التیار کان یتجنب في حياته من تكفير أتباع الأديان والطوائف الأخرى مثل الشيعة والمرجئة والمعتزلة والخوارج .

في القرن الثامن للمیلاد ، واجه مؤسس المذهب الحنبلي تيار “المعتزلة” الفكري الذي کان يعتقد بخلق القرآن (وليس قدمه) وهو المعتقد الذي کان الخلفاء بعد تلك الفترة ، قد فرضوه علی الفقهاء والقضاة ، لكن أحمد بن حنبل قد عارض هذا المعتقد ودخل السجن بسبب ذلك ، لكن صعوبات السجن لم تجعله يتخلى عن عقیدته ومذهبه الذي وجد العديد من الأتباع في القرون اللاحقة .

يقول أتباع المذهب الحنبلي إن المعاناة التي تحملها مؤسس هذا المذهب کان السبب وراء ذهاب هذا المذهب نحو التطرف وتبلوره لدی أهل السنة في تاريخ الإسلام.

یعتبر العدید من المؤرخين والمحللين ، أحمد بن حنبل مؤسس التيار السلفي تاريخياً ، التیار الذي أصبح اليوم مرجعية للحركات السلفية الجهادية ، والذي کان تأسیس المملكة العربية السعودية في القرن الثامن عشر الميلادي منبثقاً منه .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق